الرضا في بيئة العمل


بقلمدعبدالمحسن بن غازي الرشيدي

 

تسعى المجتمعات الإنسانية في جميع أنحاء العالم إلى تطوير نفسها، ومواكبة التغير في جميع مجالات الحياة. وهذا التطوير لا يحصل إلا بالعنصر البشري الذي يعد في العصر الحاضر من الركائز الأساسية في العملية الإدارية، والمحور الأساسي للإنتاج في مؤسسات العمل.

فالمعدات والأجهزة مهما بلغت درجات تطورها وتعقيدها من رقي ستبقى معدومة القيمة والفائدة إذا لم يتوافر لها العقل البشري الذي يديرها ويستثمرها. إذ إن نجاح أي مؤسسة في تحقيق أهدافها وبلوغ غاياتها يعتمد على ما يبذله الإنسان من جهد تجاه عمله. فلا يمكن لأي منظمة أن تخلو أو تستغني عن العنصر البشري مهما بلغت من التطور والتقدم التكنولوجي بل قد تتعطل عن العمل إذا لم توفق بالعقل البشري الذي يديرها ويسيرها في الاتجاه الصحيح.

لقد أثبتت دراسات هاوتورن وتجاربه في الولايات المتحدة الأميريكية بين (1927و 1932) نتائجها التي هي نقطة الانطلاق الحقيقية للاهتمام بمشاعر الأفراد واتجاهاتهم نحو العمل، وأن رأس المال والمواد كأحد عناصر الإنتاج تعد عناصر ثابتة لا تتغير ويمكن توجيهها للاستفادة الكاملة من طاقاتها لكي يبقى مردودها ثابتاً ما دامت قادرة على العطاء.

بينما نجد إن الإنسان عنصر متغير يتأثر بكثير من المتغيرات والظروف المادية والمعنوية في العمل، ما يؤثر في إنتاجه وعطائه زيادة أو نقصاناً، وهذا ما جعل بعض الباحثين في المجالات النفسية والاجتماعية يسعون إلى معرفة العوامل التي تؤثر في سلوكيات الإنسان وإيضاح أسبابها.

مما سبق تتضح أهمية العنصر البشري في أي تنظيم إداري حيث يقضي الفرد أكثر وقته في عمله اليومي، ويتطلع إلى أن يحقق من عمله ما يشبع رغباته الجسمية والاجتماعية والنفسية، لأن عدم إشباعه تلك الحاجات أو بعضها سيولد عنده نوعاً من التوتر وضعف الإنتاج وربما الإحباط.

لذا بدأ الاهتمام بالعنصر البشري وما تقدمه له المنظمة من إشباع لحاجاته الفسيولوجية والنفسية والاجتماعية، وجعل التغيير طريقة للبناء الداخلي للمنظمة وظروف العمل الداخلية والخارجية ومخرجاته وعوائده المادية والنفسية والاجتماعية، بهدف رفع مستوى الرضا لدى العاملين؛ لأن هذا الرضا يحقق أداء أفضل وإنتاجاً أكثر تطوراً.

وهناك عدد من الدراسات  يشير إلى إن شعور الموظف بالرضا الوظيفي لا يكون مقصوراً على بيئة العمل فحسب، بل يتعدى ذلك إلى حياته الشخصية خارج العمل.

وأشارت بعض الدراسات إلى أن المنظمة هي الوسيلة والمصدر الأساسي لإشباع الحاجات الضرورية والأساسية للعنصر الإنساني ومن ثم الشعور بالرضا، لأنها القناة التي تنظم علاقات الأفراد في المجتمع وفيها يتم التعبير عن شكل هذه العلاقات وطبيعتها وأيضاً المنافذ التي تنتظم من خلالها الأنشطة وجهود أفراد المجتمع لإشباع احتياجاتهم.

ويشير إلى إن المنظمة التي لدى أفرادها مستويات عالية من الرضا عن العمل يكون حظها من النجاح وتحقيق الأهداف والكفاءة أكثر من تلك التي ينخفض فيها مستوى رضا العاملين وهذا ما جعل الباحثين والدارسين يعطون الرضا الوظيفي بعداً وأهمية جعلا كثيراً من الدراسات تتناوله من زوايا مختلفة وفي مواقع وظيفية متعددة.

فالرضا الوظيفي للعاملين في أي منظمة يعد من مكونات بيئة العمل الرئيسة ومن العوامل الأساسية المحددة للمناخ التنظيمي. ومؤشراً مهماً على فعالية التنظيم بشكل عام.

كما تجب الإشارة إلى أن الإدارة العليا لأي منظمة لابد أن تحقق بعض المكاسب من خلال دراسة مستوى الرضا الوظيفي للعاملين لديها والتعرف إلى المستوى العام لهذا الرضا في المنظمة، والاستفادة من هذه المعلومات كأداة تشخيصية مهمة وفاعلة في بحث مشكلات الموظفين وتحديد احتياجاتهم التدريبية.

كما أصبح من الثابت لدى غالبية علماء السلوك التنظيمي أن اهتمام كثير من الباحثين في مجال الإدارة العامة بدراسة الرضا الوظيفي ينبع من تأثيره الكبير في الاستفادة من الموارد البشرية التي تعمل في المنظمة، ولتأثيره الفاعل في الإنتاجية وحسن أداء العمل، وكذلك يؤدي إلى زيادة التزام المنظمة التخفيف من ضعوط العمل.

ويعد الرضا الوظيفي من أهم العوامل المؤثرة في حياة العاملين بأي منظمة، بل يعد من أهم الموضوعات التي يعكف الباحثون على دراستها في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، حيث أجمعت الدراسات على أن رضا الفرد عن عمله من العوامل التي تؤدي إلى رفع مستوى أدائه وتحقق له من بين ما تحققه توافقاً نفسياً واجتماعياً يكون له صداه على مجالات حياته الأخرى الأسرية والاجتماعية.

في حين أن عدم الرضا عن العمل أو عدم إشباع مردود العمل المالي والاجتماعي لطموحات الفرد يسبب له كثيراً من الاحباطات الاجتماعية والنفسية.

وقد أشارت نظرية الدوافع (الحوافز) وبعض نظريات الاحتياجات إلى انه مع حصول الشخص على مزيد مما كان يريده فإنه سيصبح أكثر قناعة ورضا.

ولو تعرضنا إلى نظرية الحوافز الغربية نحد أنها لم تراع حصوصية الإنسان في مجتمعنا الذي يتميز بموروث ديني واجتماعي يجعله منفرداً ومختلفاً من حيث التركيبة النفسية التي يصعب ترويضها على معطيات نظرية الحوافز الغربية وهناك نظرية عالجت العلاقة بين الرضا الوظيفي والأداء التي قامت على نتائج بحوث أجربت معظمها في دول أميركا وأوروبا ومنها نظرية التدرج الهرمي للحاجات التي قدمها عالم النفس الأميركي (أبراهام ماسلو 1943م) ونظرية العاملين التي قدمها (هيرز بيرج 1959م) هل يمكن تعميم نتائج هذه البحوث وبالتحديد على المملكة العربية السعودية، حيث كما ذكرنا إن المبادئ والمفاهيم الاجتماعية وما يتفرع منها من قيم وتقاليد ومعتقدات تختلف عن المجتمعات الغربية التي بثت هذه النظريات.