مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية.. بوابة «الأمن اللغوي» للأمة

​​​​حوارمروة رسلان:

لم يعد خافياً على أحد داخل المملكة وخارجها اهتمام المملكة العربية السعودية باللغة العربية وخدمتها نشراً وتعليماً منذ عهد الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- حتى هذا العهد الميمون عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله.

هذا الاهتمام تؤكده رؤية المملكة 2030، بتضمين الرؤية ضرورة العناية باللغة العربية بوصفها جزءً أساسيّا من مكونات الهوية الوطنية السعودية.

وبمناسبة صدور قرار مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بتاريخ 13/1/1442هـ تأسيس «مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية» التقت مجلة الحرس الوطني رئيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة «مجمع الخالدين»، رئيس اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية الدكتور حسن الشافعي، الذي أكد أن قرار إنشاء «مجمع الملك سلمان للغة العربية» أثلج صدور المختصين من أهل اللغة العربية، إذ سيكون المجمع -بإذن الله- بمنزلة بوابة الأمن اللغوي للحفاظ على لغتنا العربية، مبيناً أن التاريخ سيشهد على ريادة المملكة في الحفاظ على لغة الوحي، اللغة التي هي من أكثر اللغات شيوعاً في العالم، ومشيراً إلي أن اعتراف الهيئات الدولية بلغتنا العربية أكبر دليل على أنها لغة أصيلة راسخة وذات تأثير عالمي.

 

ونذكر هنا أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- عندما كان ولياً للعهد سلم الدكتور حسن الشافعي جائزة اللغة العربية والأدب الممنوحة لمجمع اللغة العربية بالقاهرة، وهذا يؤكد اهتمام المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين بشأن اللغة العربية حتى خارج حدود الوطن.

وإلى نص الحوار:

في البداية.. كيف ترون أهمية قرار إنشاء «مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية» ودور المجمع المنتظر لدعم اللغة محلياً وإقليماً وعالمياً، وترسيخ جذور هذه اللغة؟.

– أثلج هذا القرار الحكيم (إنشاء مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية) صدورنا وصدور كل المهتمين والمتخصصين، والقرار وضع الأمور في نصابها الصحيح، بعد تجربة «مركز الملك عبدالله الدولي لخدمة اللغة العربية»، وقد سعدت بالمشاركة حينها في مجلس إدارته وكان له دور لا ينكر، بل يذكر فيشكر في العناية بشؤون العربية على المستوى الدولي خارج العالم العربي.

ولكن المجمع الجديد سيبني على هذه التجربة وغيرها التي تعبر عن جهود المملكة الشقيقة في هذا الجانب، ومن هذه الجهود نجد في مدينة الملك فهد للعلوم جهوداً طيبة في مجال المصطلحات العلمية وتعريبها. وهذا التراث كله سيفضي إلى المجمع الجديد، الذي سيكون مسؤولاً عن كل مستويات العمل محلياً، بحفظ ما يمكن أن نسميه «الأمن اللغوي» وإقليمياً بالتعاون مع المجامع العربية، وخصوصاً مجمع القاهرة الذي كان بينه وبين مركز الملك عبدالله مشروعات تعاون متعددة، ومع اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية، الذي يضم نحواً من خمس عشرة مؤسسة مماثلة، عضوًا فاعلًا في هذا الاتحاد، الذي يعد واحدًا من أهم صيغ التعاون العربي، والتضافر القومي، وينهض بمهمات متعددة، تسهم فيها المملكة وعلماؤها ومؤسساتها بالفعل.

 

كان للمملكة العربية السعودية دور كبير ورئيس في اعتماد منظمة اليونسكو يوم 18 ديسمبر من عام 1973م ليكون يوماً عالمياً للغة العربية.. كيف يقوّم فضيلتكم هذه الجهود المباركة؟.

– يجب أن نعلم جميعاً أن جهود المملكة العربية السعودية في خدمة اللغة العربية ليست مجهولة من أحد، فقد أسهمت في بعض المناسبات التي احتفت فيها هيئة «اليونسكو» باليوم العالمي للغة العربية»، ولمست بنفسي الدور الخاص للممثل الرسمي للمملكة في هذه المؤسسة البالغة الأهمية، الدكتور البلوى، وكان هناك وفد من المملكة الشقيقة، من وزارة التعليم العالي، مع ممثلين لدول عربية أخرى، لكن دور المملكة الذي سبق الاحتفال في ثراء اليوم العالمى، ثم في الاحتفال المذكور، والكلمة المتميزة للسيدة الدكتورة رئيسة «اليونسكو»، كل أولئك كان من مظاهر الحضور والفعالية للوفد السعودى وممثل المملكة الشرعى بجانب دور اتحاد المجامع اللغوية، ومجمع الشارقة بوجه خاص، في ذلك اليوم.

ماذا يعني إنشاء مجمع للغة العربية في البلد الذي نزل فيه الوحي والقرآن الكريم بلسان عربي مبين؟

– يعنى الوضع الخاص، والدور الخاص للمجمع الجديد، ضمن منظومة «اتحاد المجامع العربية» فالتمثيل لمهد العربية، ومهبط الوحى، وبلد الحرمين الشريفين، وموطن الشعراء والعلماء الذين خدموا العربية، وأغنوا تراثها، بل تراث الإنسانية بإبداعاتهم الفنية، وبحوثهم العلمية واللغوية، فيما قبل الإسلام وبعد نزول القرآن الكريم برسالته العالمية، بلسان عربي مبين بوجه خاص، وما نشأ بتأثير هذا الكتاب من فروع العلم، وجوانب الحضارة الباذخة، هذه العلوم التى ولدت -أول ما ولدت- في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت علوم الفقه، وعلوم العربية، باكورة الإنتاج العلمي للعقل العربي المسلم. ولسوف يتواصل هذا التاريخ، بما يليه حتى الوقت الحاضر، بريادة هذا المجمع الجديد.

ألا ترون أن إنشاء المجمع جاء امتدادًا لجهود المملكة العربية السعودية في خدمة اللغة العربية تعليماً ونشراً وخصوصاً للناطقين بغيرها؟.

– بالطبع المجمع يقوم على تراث مؤسسات ناشطة على المستوى المحلى والدولي سبقته، فهو يقوم على أسس راسخة من العمل المتواصل، بصيغ مختلفة، ولكن بروح واحدة، ورسالة واحدة، ولم ينشأ من فراغ، بل سيطور هذه الجهود السابقة ويضيف جديداً -بإذن الله- على الأصعدة كافة.

 

من المسؤول عن وضع الخطط لمواجهة التحديات التي تتعرض لها اللغة العربية من اللهجات المحلية ومن اللغات الأجنبية؟.

– المسؤول هو الأمة كلها، لكن على علمائها ومؤسساتها المتخصصة عبء خاص في ظل «إرادة سياسية» حاسمة، ومشاركة مجتمعية ضرورية، مظلة حامية، وروحاً دافعة، فمن الخطأ أن نظن أن مواجهة هذه الأخطار المتعددة، ومنها -كما تفضلتم- طغيان العاميات واللهجات المحلية وتهديد اللغات الأجنبية المتزايد وضعف أنظمة التعليم في بعض البلاد العربية يدلنا على أن القضية هى قضية مجتمع بأسره -لا مجمعاً معيناً وحده -بكل قواه العلمية والسياسية والثقافية.

بوصفكم رئيساً لمجمع اللغة العربية بالقاهرة.. كيف ترون دور المجمع في عالمنا العربي للنهوض بلغة الضاد وحمايتها من التحديات التي تواجهها؟.

– للعلم.. ليس فقط لأني حالياً أتشرف برياسة «المجمع القاهري»، ولكن بوصفي عضوًا فيه، منذ أكثر من ربع قرن، فإن للمجمع دورًا خاصاً بحكم الجامعة العربية، والأزهر الشريف، والجامعات المشاركة، وأيضاً بسبب كونه موقعاً وسطاً غنياً بالعلماء والباحثين في اللغة، وأخيرًا لكونه مقر «اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية» الذي احتضنته القاهرة، قرابة نصف قرن، المجمع يبذل أقصى جهده لخدمة العربية بمعونة أعضائه المحليين والدوليين، الذين يشاركونه العمل في مؤتمر سنوي مطول، تصدر قراراته -التي يشارك في إقرارها ممثلو المجامع العربية كلها، وأعماله الكبرى- بفضل الجهابذة الأعضاء والخبراء، والمحررين ذوى الخبرة المتراكمة.

ويكفى أن أذكر مشروع «المعجم الكبير» وهو أكبر معجم شهدته العربية في تاريخها الطويل، وسيربو على الثلاثين مجلدًا، ويوشك أن يتم العمل فيه خلال العام المقبل، ويصل -بإذن الله ثم بالدعم الذي نجده- إلى كل المجامع والقراء والهيئات العربية، وكذا معجم لغة الشعر العربي، وهو عمل مشرف يمضي في ثبات طبقا لمنهج علمي متطور تقنياً وعلمياً، فضلاً عن الإصدارات العلمية والدواوين والمعاجم التراثية المتعددة التي يصدرها، بجانب مجلته العلمية الفصلية ونشرته الإخبارية الشهرية.. وغير ذلك من الأنشطة التي تمثل مواكبة لحاجات العربية في ظروفها الجديدة الحرجة.

وهل أنسى في هذا السياق جائزة الملك فيصل الدولية التي منحت للمعجم الوسيط. وليس معنى هذا كله أنى راض كل الرضا عن الدور الحالي الذي يجب علينا.. أن لكل فضله أعباؤها.

 

هل ترى أن اللغة العربية تملك القدرة التنافسية أمام اللغات الأخرى المنتشرة في العالم كالإنجليزية والفرنسية، أم يجب تحديثها من خلال التخفيف من صرامة قواعدها اللغوية لتتناسب مع العلوم الحديثة؟

– بالطبع.. تملك العربية كل مقومات البقاء والتطور، وهى أطول اللغات الآن عمراً، يمتد إلى نحو ثمانية عشر قرنًا، بينما اللغات المشار إليها دولياً لا يزيد عمرها على خمسة أو ستة قرون، والقدم يرشح للبقاء، ولكن الاستناد إلى التاريخ والتراث لا يكفي وحده للتكيف مع ظروف متجددة وعالم متغير، لكن ليس بالتخفف من القواعد لمواكبة العلوم الحديثة. فلدى العربية من الجذور اللغوية ما يزيد على ضعف ما لدى أي لغة أخرى، وفيها من آليات الاشتقاق، والاستيعاب للدخيل والمعرب ونحوه، ما يعطيها مرونة بالغة لمواكبة الفكر العلمي والاجتماعي المعاصر وهو أمر واضح للمتخصصين والمتابعين.

وأثبتت العربية في مراحل مختلفة من التاريخ: منها مرحلة الخلافة العباسية حين كان العلم العالمي يتحدث العربية، وبعد ذلك وفى مطالع العصر الحديث ألف المبعوثون المصريون إلى الجامعات الغربية الحديثة في علوم الحضارة والإدارة والكشوف العلمية المتجددة، وكذا يفعل رجالكم في مدينة الملك خالد العلمية، فاللغة نفسها -وإن احتاجت إلى مزيد من التطور ومتابعة الجديد المتدفق يوماً بعد يوم- قادرة بكل تأكيد على مواكبة المشهد العلمي المعاصر: يشرط تنبه أهلها للأخطار والبدائل التي تهددها، مع حرص أبنائها جميعاً على استعمالها بمن في ذلك العلماء الباحثون، والسفراء الممارسون، والطلاب الجامعيون، والصحفيون والإعلاميون -وهنا نقول: «الكرة في ملعبكم»- وسائر هيئات الأمة وجماعاتها وسلطانها ومكانتها الدولية؛ فاللغات كما قال ابن خلدون: «تعز بعزة أهلها ودولها»، وهناك قول مأثور: «إذا عز العرب عز الإسلام» وهذا يضمن لغة القرآن الكريم واللسان المبين. ولست متخوفاً على مستقبل اللغة العربية إلا من تقصير العرب أنفسهم في استعمالها وإعزازها واشتراكهم في مواجهة الأخطار التي تتهددها، وبعد ذلك كله المجامع اللغوية كافة ومنها مجمعنا السعودي الوليد والعتيد.

يعترض كثير من العلماء على تعريب العلوم لوجود مصطلحات لا يمكن ترجمتها للغة العربية.. ما رأيك في ذلك؟

– إن ترجمة المصطلحات -وأحياناً تعريبها بإخضاع النص الأجنبي للفم العربي والروح العربية- هو الذي فرض نفسه، وقد أصدر مجمع القاهرة -وله عناية خاصة بترجمة المصطلحات- ما يبلغ ربع مليون مصطلح، وأعرف أن بمدينة الملك خالد العلمية بالمملكة جهوداً طيبة في هذا الصدد، وقد أقامت الجامعة العربية وأمانتها الثقافية مركزًا متخصصاً يتابع ويثري هذه الترجمة بنشاط ملحوظ، ولدى «اتحاد المجامع» مشروع لبنك المصطلحات العلمية» يقوم على تطويره علماء في مقدمتهم واحد من كبار خبراء اللغة بالمملكة وهو الدكتور محمود الصيني، والقافلة تسير.. وينبغي أن ندرك الحقيقة العلمية.. «إن المرء لا يبدع حقاً إلا في إطار لغته العربية».

هل الفكر العربي قادر على أن يقدم معطى حضارياً في وعاء العربية يجعل منها لغة عالمية تفوق غيرها؟.

– نعم، فالمضمون الحضاري في لغة القرآن، والفكر الفقهي المتطور جداً -إذا ما جودنا أسلوب عرضه- والرسالة العالمية في حماية الإنسان ورعاية حقوقه، كل أولئك إذا صحبتها إرادة سياسية، وزخم اجتماعي، ووعي سياسي، يهيئ لتقديم هذا المعطى الحضاري، ولنستهدف مزاحمتهم، وحضورنا معهم، ثم يأتي التفوق عليهم.

مع أن اللغة العربية تحتل المركز الرابع بين اللغات، ومع ذلك نجد أن العرب يتنصلون منها، ويتوجهون لدراسة اللغات الأخرى؟

– أشاركك الشكوى فقد بحت الأصوات، وبلغت القلوب الحناجر، لكن بعض إخواننا -من الجامعيين المفتونين باللغات الأجنبية، وبطبيعة الحال بعض الناشئة والشباب الذين لا يدركون خطورة ما يعملون- يشاركون في هذه المأساة، التي يتزايد خطرها مع العولمة، وتعانيها الآن لغات أخرى غير العربية، ولكنهم يتحفظون الآن من موجة العولمة، ونحن أقل التفاتاً لهذه الناحية المهمة للأسف الشديد.

بماذا تفسر انتشار ظاهرة كتابة اللغة العربية بحروف لاتينية (عربيزيبين الشباب؟.

– هذه الظاهرة -وخصوصاً لدى الشباب- هي لضعف حصيلتهم اللغوية العربية والافتنان النفسي -ويا للأسف- الإحساس بالضعف إزاء الأجنبي وضعف كثير من نظمنا التعليمية، وإهمال الطفل العربي. كل هذا ضمن أسباب الظاهرة.

كيف يمكن تطوير تدريس العربية لغير العرب؟.

– تدريس العربية لغير العرب: فرع جديد في ميدان التربية والتعليم والدراسة الجامعية المتخصصة. وأذكر أني عندما كنت وكيلاً لكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، طالبت بشعبة خاصة لتخريج مدربين، وللمشاركة العلمية في تلبية رغبة الدارسين من غير العرب في درس العربية، وقد أنشئ بعد ذلك، بعد أن كان المعهد الوحيد المعني بذلك هو «الجامعة الأميركية». وحين بعثت إلى الجامعة الإسلامية العالمية، بإسلام آباد، حيث كنا نستقبل طلاباً من وسط آسيا، ومن الصين، لا يعرفون حرفاً من العربية، ثم حصّلوا فيها ما يدرسون به علوم الشريعة والعقيدة باللغة العربية، وسائر العلوم الأخرى بالإنجليزية. وقد حققت هذه المؤسسة نجاحًا كبيرًا في هذا الصدد، وهو على كل حال موضوع متخصص وله رجاله، ولمجمعكم الجديد -ضمن مهماته المتعددة امتداداً لمركز الملك عبدالله الدولى- دور واعد في هذا الباب.

ما السبيل إلى النهوض بلغة القرآن الكريم واستعادة الثقة بقدرتها على مواكبة التطور والتحديث، وعلى تقوية الأمة وتوحيدها؟.

– أظن أن السبيل إلى النهوض بلغة القرآن، وخصوصاً أساليب النشء والشباب العرب وجهود العلماء في التعريب، بما في ذلك تعريب الدراسات الخاصة كلها، لسائر بلاد العالم، وتضافر الدول والمجتمعات العربية كفيل بتحقيق الهدف المنشود بإذن الله.