الإصلاح من منظور ثقافي

 

قلميحيى السيد النجار

الإصلاح من منظور إسلامي من ثوابت العقيدة، ويتضمن الغايات والقيم والمعاني والرموز والتوجهات، ومسارات التواصل والحقوق والواجبات والتطلعات والخيارات المحددة لحياة الإنسان داخل المجتمع العربي.

والإنسان كائن ثقافي، والثقافة قيمة حضارية، ولكن هل التعليم في بلدان الأمة له تلك القيمة؟.

فالثقافة وقيمها هي الإتقان والإبداع والحرية، والتعليم غاية ووسيلة، وغاية لأنه حق من حقوق الإنسان، لكن هل تعليمنا العربي ينمي القدرات جسمانياً وعقلياً ووجدانياً وسلوكياً وروحياً، ووسيلة لتوفير اليد العاملة الماهرة، المؤهلة التي نوظفها لتحقيق التنمية البشرية المستدامة، ولتحقيق مقاصدها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية؟، والثقافة توأم التعليم، وكلاهما منبع للآخر ومصب له.

لكن التعليم ببلدان المجتمع العربي غير ذلك، والشجرة التعليمية تفتقد الجذر في الأرض، والواجب أن يكون جذع الشجرة مغروساً في قاع الأرض، وتكون الشجرة مغذية للجذع والساق والفروع كي نحصد الثمار،.

وتعليمنا العربي -في معظمه- ما هو إلا شجرة منبتة أو منقطعة الجذور، وليس لها غذاء، وهذا ما يؤثر سلباً في الأمة في شتى مجالات الحياة.

فالعقل العربي يحتاج إلى صحوة ثقافية وتعليمية، فالأمة تمتلك مقومات النهوض من جديد، من وحدة اللغة والعقيدة والتاريخ والموقع، لكن الأمة بحاجة إلى مراكز بحوث وتكنولوجيا والارتقاء بجودة الإنتاج.. والإصلاح يلزمه تقدم تقني واكتشافات علمية، وفكر استثماري يشكل نقطة الارتكاز المحورية للبناء والتقدم؛ لأن التحدي العربي المستقبلي يلزمه توظيف الإمكانات المادية والبشرية والطبيعية، وكم من سياسات عربية تحتاج إلى الابتعاد عن مظاهر الضعف والتقوقع، والعصر بحاجة إلى وعي ثقافي يشكل مناخاً حضارياً، فأي وعي إنساني له طبيعته وأبعاده.

والتغيير نحو الأفضل ليس وهمياً أو مضاداً لحركة التاريخ، والله -عز وجل- خلق الإنسان لتحقيق الاستخلاف في الأرض ولاكتشاف سنن الكون، وثوابت العقيدة تتجسد في كل عمل إيجابي يشكل للمجتمع نسيجاً وصياغة ملامح، والحياة الإنسانية تتقدم بالبذل والعطاء، وهي بحاجة إلى معرفة نقاط الضعف والتسيب والتخلف والضعف الفكري والثقافي، وثوابت العقيدة تشكل مشروعاً حضارياً يغطي كل مجالات الحياة الإنسانية، وهي تحمل كثيراً من الجوانب الإيجابية.

والعقل العربي بالعمل المنتج يمثل الطاقة الحيوية لأفاق التقدم، والعبادة في الإسلام عمل، والتفكير عمل، والأمة تفتخر بحضارتها وعلومها، وقد ساهمت في تطوير الحياة الإنسانية بفكرها وقيمها وعلومها واقتصادها، ودفعت بالبعد الإنساني إلى مستوي الحياة الراقية.

ولكل حضارة إنسانية خصوصية ذاتية، وأمة العرب في القرن الهجري الأول استطاعت أن تمتلك قوة، والقوة هي حجر الزاوية في الزمن المعاصر لكل التكتلات العالمية.

هنا يجب دراسة مقومات القوة بما يحقق للأمة الإصلاح المستقبلي، وثوابت العقيدة تمقت الانفصام والتناقض بين القول والفعل، وتنبذ التطرف والغلو من أجل المحافظة على الدين والنفس والعقل والمال والنسل.

والإصلاح من منظور ثقافي له مدخل اقتصادي انطلاقاً من موقع بلدان الأمة، وانطلاقاً من قيمة الاستثمار العربي العربي، والعربي العالمي وتأثيرهما، وتحقيق التكامل الأفقي والرأسي في هياكل الإنتاج العربية، ومجالات التخطيط الاقتصادي، وبما يحقق معادلة التوازن السكاني.. والاقتصاد يتشكل من تجمع إنساني مفتوح وبسياسات اليقظة.

ومن أدلة الفعل بعد التخطيط ما ورد عن رسول الله صلي الله عليه وسلم: «إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فاستطاع إلا تقوم حتى يغرسها فليغرسها فله بذلك أجر» رواه البخاري.

فالمجتمعات تمر بمراحل متغيرة صعوداً وهبوطاً، ولكنها بحاجة إلى تخطيط فكري وعلمي قائم على الرصد والتحليل والإحصاء.. وللتاريخ الإنساني أهمية عظمى لتقدم الشعوب والأمم.​

​​​​