بقلم: صبحة بغورة
– الجزائر
ما من أسرة سعيدة في العالم يمكن وصفها بالأسرة المثالية فقط بناء على انعدام وجود مشاحنات بين أفرادها كأساس للحكم عليها، فالخلافات أمر طبيعي بين الوالدين، وهي كما تحدث بالنسبة إلى اختلاف الرأي وتباين المواقف بالنسبة إلى الأمور المصيرية الكبيرة، فهي تحدث أيضاً لأبسط الأمور الصغيرة والتافهة، والعبرة تكمن هنا في كيفية تعامل الوالدين مع الموقف الخلافي، إذ لا يمنع أن يختلف الوالدان مع بعضهما البعض من أن يكون الحديث بينهما عن سبب الخلاف بهدوء أولاً، وفي ظل الاحترام المتبادل ثانياً، وثالثاً التزام النقاش الموضوعي الهادف للوصول إلى حل والقبول به من دون تكبر، فنكون هنا -بفضل النضج الفكري- قد تجنبنا تبادل الكلمات الحادة والنزاع، والعكس صحيح.
وتبقى المشكلة الأهم ما شعور الأطفال في أثناء المشاحنات؟ وكيف يمكن التنبه إلى ضرورة مراعاة شعورهم؟.
معظم الأطفال يشعرون بالقلق والاضطراب عندما يتشاجر الوالدان، الصراخ والأصوات العالية وكلمات الغضب التي قد يستخدمها الوالدان تجعل الأبناء يشعرون بالحزن والذعر، وهذا الشعور يستبد بالأطفال ويمتد حتى عندما تتسبب المشاحنة في أن يقاطع الوالدان بعضهما بعضاً ولا يتحدث كل منهما إلى الآخر، وينقطع كل تواصل بينهما، كلها تؤدي بالأطفال إلى النتيجة نفسها، ولا تعني كل مجادلة أن الوالدين على وشك الانفصال الوجداني أو الطلاق، فكثير من المجادلات والمشاحنات تكون من قبيل التنفيس من ضغوط مهنية، أو مشاحنات وظيفية وبسبب أمور أخرى يمكن أن تؤدي إلى انفلات الأعصاب من حين إلى آخر، ولكن قد يجد بعض الآباء أو الأمهات أنفسهم -عندما يضطربون- يصرخون ويقولون كلمات لا يقصدون معناها تحديداً ولا يعنونها بالضرورة.
وأحياناً لا تعني المشاجرة مجرد أن أحداً من الوالدين أو كليهما قد فقد أعصابه متأثراً بيوم عمل طويل وشاق نغص عليه الحياة، بعدما أحاطه بهموم متعددة ومشكلات كثيرة.
يحدث أن يشعر الأطفال بالحزن إزاء أي من الوالدين في أثناء المشاجرة، أو بالغضب من أحد الأبوين في حال أصاب أحدهما الطرف الآخر بضرر، أو ألحق بالأطفال الأذى، وفي كل الأحوال فإن المشاحنات بين الأبوين تجعل الأطفال في حالة نفسية صعبة ومعقدة فيعمدون في ظل الصراخ والضجيج وكثرة المشكلات إلى كثرة البكاء؛ لأنها أجواء لا يمكن أن يتحملها أطفال صغار، أو مراهقون ويتعذر عليهم النوم أو الذهاب إلى المدرسة أو الاندماج مع أترابهم، خصوصاً إذا حضروا مراحل اشتداد حدة الشجار، وسمعوا ما قد يكون أحد الأبوين قد أطلقه من كلمات غير لائقة، أو قام بتصرف بطريقة غير لطيفة وغير مهذبة، ولمسوا عن قرب شكل التعامل غير المحترم البعيد عن اللباقة، وصم آذانه عن الصراخ، وعن سماع ما ينعت أي منهم الآخر بصفات سيئة، وكلمات نابية قد تؤدي في النهاية إلى تطور المشاحنة إلى مشاجرة باستخدام الأيدي والدفع والضرب.
وهنا لابد من تدخل الأهل والأقارب للمساعدة وحل المشكلات التي لا تليق بوضع أطفال يبحثون عن السكينة في منزل خصص ليكون مكاناً للهدوء والراحة.
فصراخ بعض الأزواج والمشادات الكلامية الحادة والانفعالات المتكررة التي لا يحسب لها الزوجان حساباً، ولا لما تتركه من آثار سيئة على نفوس الأبناء عاطفياً وجسدياً ومن دون التفات لأعين خائفة تراقب ما يقع من وراء الأبواب، ومن دون اكتراث لدموع الأطفال وللأفكار التي يمكن أن تسيطر على عقولهم وتبقى في ذاكراتهم حتى بعد انتهاء المشكلة.
إن أسوأ ما تتعرض له الأسرة من هزات عنيفة عندما يدب الخلاف بين الزوجين، ويصل إلى طريق مسدود ويقف الأبناء بينهما في حيرة من أمرهم، يقفون وقد انشطرت قلوبهم إلى قسمين أحدهما يدعى الأب والآخر يسمى الأم، يرونهم يتنازعان في لحظة جنون. ويرتكب الزوجان جرماً في حق الأبناء وهم في سن صغيرة من العمر، ولم يكونا بعد مسؤولين عن تصرفاتهما هي مسؤولية كبيرة، إضافة إلى عدم قدرتهما على التحمل وفهم أعباء الحياة الزوجية وواجباتها، ومن ثم لم يتحملا مواجهة أول مشكلة اعترضتهما، ولما عجزا عن إيجاد صيغة للتفاهم لحماية بيتهما والتضحية من أجل أبنائهما وقعت المشاحنات والخلافات.
حدوث جدل ووقوع مشاحنات بين وقت وآخر يمكن أن يكون أمراً صحياً طالما جرى بنضوج وتعقل، إذا كان يساعد الأشخاص على إخراج ما في الصدور من ضيق وما في النفوس من مكنونات يصعب أن يظل أسيرها، والمهم أن يتمكن أفراد الأسرة من التعبير عن مشاعرهم وعن ما تجيش به أنفسهم من أحاسيس مختلفة، وما يشغل بالهم من أفكار، حتى ولو كانت غير متوافقة مع الآخرين وليست على هواهم.
الاختلاف المعبر عنه بتعقل وبنضج لابد أن يؤدي في النهاية إلى فهم الآخر بصورة أفضل، ويؤدي إلى تقارب أكبر بين الأفراد ما دام يمثل كل منهم جزءاً من الأسرة فإن عليه واجب أن يحاول جعل الحياة أفضل للجميع، وإذا وقعت المشاحنات يكون أساس كل جهد لحلها الحب والتفاهم والجهد المخلص والتفاهم فيها وحدها وهو ما يمكن الأسرة من حل كل مشكلاتها مهما كانت.
مفهوم الحياة في كل المجتمعات يكمن في التواصل بالحوار لا بالصراخ، ويا للأسف أكثر المشكلات الأسرية التي تقع بين الزوجين هي الزواج المبكر والاختلاف في المستوى الثقافي والاجتماعي والعلمي، وإفراط الزوجة في محاسبة الرجل على كل الأمور ما يخلق جواً من عدم الثقة بينهما، وكثيراً من التوتر والقلق وعدم التوافق، وينعكس أثر ذلك على الأبناء من الناحية النفسية والسلوكية، وفقدانهم الإحساس بالطمأنينة وإصابتهم بضعف الشخصية واهتزازهم عصبياً.
وانعدام تفاهم الأسرة يسبب ترسبات مؤلمة في نفوس الأطفال ويجعل نموهم النفسي بطيئاً ويولد الشخصية الخائفة التي تهاب كل شيء.
في مسيرة الحياة اليومية لا يراعي كثيرون تقدير خطأ ما يصدر عنهم من هفوات، ولا يلتفتون إلى أثرها في الآخرين، والمفروض أن يكون الحرص شديداً على مراقبة ما يتعلق بانعكاس التصرفات على تربية الأبناء، وعلى الجانب العاطفي للبنات خاصة، ومن ذلك شعور البنت في غمرة انشغال والديها بالخلافات الناشبة بينهما بعدم محبة والديها لها، ويمكن أن تنشأ منذ الطفولة معقدة حتى الكبر، ويسبب لها ذلك الإرباك الشديد في الحياة الزوجية.
يميل كثير من الأطفال إلى تقليد الوالد حتى في صراخه وصياحه، ويعتقد الطفل أن الصراخ سلاحه لتحقيق ما يريده، والشائع أن نتيجة ما يحدث بين الوالدين من نزاع، أو مشاجرة أمام الأطفال وعلى مسمع منهم أن ينشأ الأطفال على عدم محبة غيرهم وعلى الغيرة والحسد أو الغيبة، مقلدين ما شبوا عليه.
فالسعادة الزوجية لا تتم إلا إذا تم الانسجام المقبول بين الزوجين، وجرى ترسيخ الفكرة الصحيحة عن الحياة الأسرية السعيدة عند الأبناء، وأهمية تكاتف الطرفين للحفاظ على كيان الأسرة وتربية الأولاد.