نسبة المؤلفات إلى أصحابها وتوثيقها في البحث العلمي

بقلمدجوهرة علي بن جوير

توثيق المراجع والمصادر في البحوث العلمية يعد من أهم خطوات البحث التي تكسب البحث أهمية بالغة، كما تعزز من صدقية المعلومات المنشورة فيه، إضافة إلى أنها تحفظ حقوق الآخرين، فهي خطوة تمكن الباحثين والقراء من الرجوع إلى تلك الكتب والمراجع؛ كي يتمكنوا من الحصول على مزيد من المعلومات في حال الرغبة في ذلك.

فالتوثيق هو إثبات مصادر المعلومات وإرجاعها إلى أصحابها توخياً للأمانة العلمية، واعترافاً بجهد الآخرين وحقوقهم العلمية.

 

ولتوثيق نسبة المؤلفات إلى أصحابها هناك عناصر يلجأ إليها الباحث لمعرفة صاحب الكتاب.. منها:

معرفة الشخصية من خلال

كتب التراجم

فهل للمؤلف مؤلفات، ثُمَّ هل له مخطوطات؟ ومن كتب التراجم: الفهرست لابن النديم.

الموازنة بين ما يصح أن ينسب وما نُسب إليه من خلال كتبه.

بعض المؤلفين يذكرون كتبهم في بعض الكتب.

والموازنة تأتي من خلال استقراء نهج المؤلِّف في كتابه، والكتاب الذي تصح نسبته إليه.

الرجوع إلى التاريخ (عامل الزمن)وهذا مهم في التحقيق من نسبة الكتاب إلى صاحبه، ومن ذلك:

– ما قيل عن الخطيب البغدادي حين رفض كتاب اليهود الذي عرضه عليه القاسم، وقال الخطيب: «إنه مزوّر عن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأجل إسقاط الجزية عن اليهود أهل خيبر».

وقد استند الخطيب على الجانب الزمني: (التاريخ) وقال: ورد في الكتاب شهادة معاوية بن أبي سفيان ومعاوية أسلم يوم فتح خيبر؛ فكيف يشهد معاوية على قضية قبل إسلامه، كما أن في الكتاب شهادة سعد بن معاذ، وسعد بن معاذ قد مات سنة خمس فاليهود كتبوا شهادة معاوية وسعد لمنزلتهما.

* الرجوع إلى نسخة المخطوط، فهي تفيد في نسبة الكتاب إلى صاحبه.

* تلاميذ المؤلِّف، فقد يذكر بعض التلاميذ كتب شيوخهم.

* الكتب التي تحدّثت عن قضايا الكتاب نحو: قضية إعجاز القرآن.. فهذه الكتب التي تحدثت عن هذه القضية يرد فيها ذكر لأسماء كتب مع مؤلفيها الذين تحدثوا عن قضية الإعجاز.

* مقدمات كتب المؤلِّف الأخرى، فقد يشير فيها المؤلِّف إلى بعض كتبه التي ألفها قبل هذا الكتاب، كما فعل ابن قتيبة في مقدمته.

* كلام المحققين أو نَسخ المحققين.

* كتب المؤلف أو مؤلفات المؤلِّف الأخرى فقد يرد في ثناياها ذكر لبعض مؤلفاته.

* عصر المؤلِّف، أو البيئة العلمية التي عاش فيها.

 

معرفة ضبط اسم المؤلِّف

أما السبل التي يمكن من خلالها معرفة ضبط اسم المؤلِّف فمنها:

* المصادر القديمة التي تعنى بالضبط الوضعي.

* كتب التراجم.

* صفحة المخطوط.

* تلاميذ المؤلِّف.

* المعاجم، نحو: (كشاجم) فهذا اللقب يراد به الحِرَف التي أجاد فيها صاحبها، فكل حرف في (كشاجم) يدل على حِرْفة، فجعل لقباً لصاحبه. مثل (ك): الكتابة، (ش): الشعر… إلخ.

* نسخ المخطوط الأخرى وجهد المحققين في مقابلة النسخ.

* كتاب متخصص في الأعلام وهو: (إعجام الأعلام) أي ضبطها بالشكل، وكتاب: (الفصيح) لثعلب.

* الشعر قد تذكر فيه أسماء وتكون قرينة.

* مجامع اللغة تفيد في الأعلام خصوصاً الحديثة.

ترجيح العنوان الصحيح

وفي مسألة تعدد العنوانات للمؤلَّف الواحد يتم اللجوء إلى وسائل ترجيح العنوان الصحيح ومن ذلك:

* مقدمة الكتاب، فينظر في مقدمة المؤلِّف ماذا قال فيها، لأنه يَرِدْ فيها ذِكر لاسم عنوان الكتاب، فعلى سبيل المثال ما قاله البقاعي في مقدمته:

«وسميته نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، ويناسب أن يسمّى: فتح الرحمن في تناسب أجزاء القرآن، وأنسب الأسماء له: ترجمان القرآن ومبدي مناسبات القرآن».

مثال آخر: كتاب تقديم أبي بكر وهو كتاب يشمل بديعية ابن حجة الحموي مع شرحه لها، وقد صرَّح المؤلِّف بالعنوان في مقدمته، وقد ذكر هذا الكتاب، باسم: خزانة الأدب لكن الصحيح هو: تقديم أبي بكر لأسباب:

– تصريح المؤلِّف باسم الكتاب في مقدمته.

– عدم ذكر المترجمين عنوان: خزانة الأدب قط في كتب التراجم.

– المخطوطات ليس فيها سوى عنوان: تقديم أبي بكر.

– عصر المؤلِّف، فماذا كان يدور في عصره من مسألة علمية مثال:

ابن قتيبة كان يدور في عصره مسألة التأويل للقرآن، وقد أشار إليها في مقدمته عندما ذكر الغاية من تأليف الكتاب فقال عن اختياره عنوان كتابه: «وقد اعترض كتاب الله بالطعن ملحدون ولغوا، {فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} وحرّفوا الكَلِم عن مواضعه، ثُمَّ قضوا عليه بالتناقض والاستحالة واللحن وفساد النّظم والاختلاف، فأحببت أن أوضح عن كتاب الله وأرمي من وراءه بالحجج النيّرة والبراهين، وأكشف للناس ما يلتبسون»، أو بعبارة أخرى: تلاؤم العنوان مع الغاية التي يهدف إليها المؤلف من الكتاب.

– تلاميذ المؤلِّف.

– كتب المؤلِّف بشكل عام، فقد يشير فيها إلى عنوانات بعض كتبه.

– مؤلفات المؤلِّف؛ لأن مؤلفاته تكون صورة عنه لمعرفة جوانب شخصيته فمثلاً:

نُسب إلى ابن قتيبة كتاب: الإمامة والسياسة وهذا الكتاب لا يمثل شخصيته فأصبح مثاراً للشك وهو كتاب مشهور وقد عرف عن ابن قتيبة طول مقدماته بالنسبة إلى علماء عصره.

 

– تأليفات المؤلِّف داخل الكتاب أو في ثنايا الكتاب، مثل: كلمة (التبيّن)، وردت في كتاب الجاحظ البيان والتبيّن ما يدل على صحة عنوان: البيان والتبيّن بدل: التبيين.

– استقراء منهج المؤلِّف، فمثلاً استقراء منهج الجاحظ في كتابه: البيان والتبيّن، يدل على أنه يتحدَّث عن الأدب والنقد، وكذلك عن الأديب والناقد، ولذلك فكلمة التبيّن هي التي تدل على الشق الثاني من غرضي الكتاب وهو: ما يتصل بالنقد والناقد الذي يقوم عملهما على أساس، التبيّن.

– نُسَخ المخطوط القديمة خاصة، فقد ذكر في نُسخ المخطوط القديمة اسم: البيان والتبيّن في أقدم نسخة للمخطوط سنة 347 بمدة لا تزيد على اثنتين وتسعين سنة من وفاة الجاحظ.

– المدة الزمنية، فمثلاً: كتاب صناعة الكلام للجاحظ ورد له عنوان آخر: صياغة الكلام.

وكل واحدة: صناعة – صياغة، لها دلالة بالدرس البلاغي، وكلاهما صحيح، لكن يبقى احتمال وجود تصحيف لتقارب الرسم، لكن عامل الزمن هو المعين في التحديد وذلك:

* بالرجوع إلى كتب التراجم، فالذي ذكره ابن النديم أقدم من الذي ذكره ياقوت الحموي.

* كلمة: (صناعة) أكثر دوراناً في النوع من المصنفات في المدة الزمنية نحو: صناعة الشعر لأبي زيد البلخي، وصناعة الشعر لأبي سعيد السيرافي.

– الرجوع إلى كتب التراجم، كما جاء في: الفهرست لابن النديم في ترجيح عنوان: صناعة الكلام للجاحظ بدل: صياغة الكلام، وكما في تقديم أبي بكر بدل خزانة الأدب.

– ظاهرة التجنيس؛ حيث كان في عصر من العصور الاعتناء بظاهرة التجنيس في العنوان، نحو كتاب: تجديد البراعة في تجريد البلاغة، طبع بعنوان: أصول البلاغة والراجح، تجريد البلاغة.

وبالرجوع إلى قول المحقق: «ويقال له: أصول البلاغة ولكن اسمه التجريد، وبلحاظ الجناس سمى الفاضل المقداد شرحه له بـ «تجديد البراعة في تجريد البلاغة».

وظاهرة التجنيس من وسائل ترجيح العنوان الصحيح.

​​​​