* من العبث المفاضلة بين قديم وحديث طالما أن لكل فن في عصره مقوماته ومميزاته ومتطلباته ومعطياته.
* الفرق بين جمال الفن وجمال الطبيعة كالفرق بين القلب والعقل أو بين العاطفة والمنطق أو بين الحب والحكمة.
* اطراد النمو الجمالي المتغير والمستمر من شأنه أن يجعل الفن متجدداً ومن ثم لا يستطيع علم الجمال تحديد رأي أو قاعدة يمكن تطبيقها على جميع أوجه النشاط الفني.
في أوائل الخمسينيات ظهر كثير من الرسائل والبحوث حول تعريف الجمال والنقد الفني، ويعتقد عدد من المعنيين بهذه الدراسات أن الظلام الذي كان يحيط بالنقد الفني قد انقشع بعد متابعة كثير من الاتجاهات والأساليب الفنية المعاصرة وتقويمها، التي تكاثرت بدوافع ذاتية، وتأييد كل من استطاع من ذوي المواهب الفنية أن يضيفوه إلى حصيلة الفن الذي سار بخطى سريعة على سلم التطور المتحرر من كل القيود والضغوط، والاعتقاد بالتقدم الذي حققه النقد المعاصر لم يحل دون إلقاء الضوء على بواعث الفنون التقليدية «الأكاديمية» التي كانت سائدة حتى قبل ظهور الفن التأثري الذي واجه الطبيعة في الهواء الطلق وتحليل العناصر التي تتألف منها تلك الفنون للتعرف إلى قوانين الرؤية وأسلوب كل فنان كانت له مكانة يتميز بها من غيره.
ونتيجة لذلك يصبح من العبث المفاضلة بين قديم وحديث طالما أن لكل فن في عصره مقوماته ومميزاته ومتطلباته ومعطياته.
ومن القواعد الأساسية عند تصنيف الأعمال الفنية أن نكون منصفين حتى لا يطغى فن على فن آخر ويطمسه.
يسوقنا الحديث عن الفن إلى إظهار الفرق بين الخلق -أو كما نفضل تسميته «الإبداع» الذي هو مواهب الفنان القادر على أن يأتي بجديد لم يسبقه إليه غيره وينفرد بخصائصه المميزة للتعبير عن واقعه وتطلعاته- والإبداع المكتسب بالمران والممارسة من أجل الارتقاء بجودة الأداء والمهارة الصناعية.
والمعروف أن الفنان لا يستطيع إظهار ما في نفسه أو إخراج أفكاره التي تستند حتماً إلى درجة ثقافية ما لم يكن في حالة نفسية وذهنية تساعدانه على الابتداع والإبداع معاً، بتنظيم عناصر مبتكراته الفنية وصياغتها بإرادته واختياره.
يوصلنا البحث في معنى الابتكار أو الابتداع الفني إلى تحديد قيمة العمل الفني، ويتوقف حل هذه المشكلة على قدر ما نستطيع فهمه من الأسس المعقدة في عملية تنسيق العلاقات التي تحقق الانسجام بين العناصر التي لا حصر لها في الطبيعة.
والفنانون الذين أوتوا القدرة على الابتداع «الخلق الفني» والإبداع «الصناعة» في كل ميادين الفنون التجريبية هم -ولا شك- يعانون أزمات دورية، وما من أحد منهم يستطيع تحديد مدة المعاناة، ولا يستطيع ممارسة العملية الفنية ما لم يكن مقتنعاً بملء نفسه بضرورة تغيير مجراه بين حين وحين، ليضاعف جهوده للتقدم والارتقاء.
وظاهرة الابتداع الفني عند بعض الفنانين تؤكدها مواهبهم الملهمة، وظاهرة الإبداع تتوقف على قدراتهم العملية وخبراتهم المكتسبة بالمران، وليس بالضرورة أن يكون العمل الفني منطقياً، أو معلوماً لدى الفنان، بل قد يكون من ضروب الحدس والتخمين ولكنه يستند بالبديهة إلى الذوق السليم طالماً أن الحركة هي دليل الحياة، ولا يمكن أن يستمر الفن تبعاً لقوانين الحركة الكونية في هدوء قد يؤدي إلى الجمود، بل هو دائماً طاقة متفجرة يتولد منها العمل الدائب من أجل التطور بأسلوب التعبير تبعاً لمتطلبات كل عملية فن.
ومن المعلومات المتوافرة عن الابتداع الفني وتطبيقاته في الفنون التشكيلية تكشف لنا حقائق بالغة الأهمية، ومن هذه الحقائق: قوانين الرؤية والهندسة، والتوازن، التماثل والقوة والمقاومة، التوزيع والتنسيق وإلى غير ذلك مما يكفل تنظيم الوحدة العامة للعمل الفني المتكامل في تكوينه ومعناه، وكلها ليست من ابتكار الإنسان بل هي من فعل الطبيعة التي خلقها الله وأرادها أن تكون عليها، فنراها وننفعل بها وقد ننقلها أحياناً، وقليلاً ما نعرف مسبباتها، وغالباً ما تكون فوق مستوى التفكير؛ لأنها تتم تلقائياً في الطبيعة كتجمع السحاب، ونمو الاشجار، وحسب غريزة الحشرات والحيوان، ولكنها تتم على أي حال من دون تدخل الإنسان، بل وقبل أن تسترعي بوجودها انتباهه.