خصائص اللغة العربية ومشكلاتها

دمحمد محمود العطار*

تُعد اللغة من نعم الله العظمى، ومن أهم مميزات الإنسان، ولها قيمتها في جميع مجالات الحياة، كما تعد اللغة وسيلة اتصال بين البشر، وأداة تعبير عن مكنونات النفس، وفهم الموضوعات والمفاهيم واستيعابها، ومتغيرات العالم وأفكار الآخرين، وهي عبارة عن ظاهرة اجتماعية وأداة الإنسان للتخاطب والتفاهم مع الآخرين، فهي نمط من السلوك لدى الأفراد والجماعات.

فالجماعة لا تتحقق من دون لغة، بها تتحقق اللُّحمة، ويكتسب المجتمع هويته وكيانه وتميّزه من باقي المجتمعات.

واللغة ليست مجرد أصوات مسموعة إنما هي معنى يدل على الأشياء والموضوعات والأشخاص، فالكلمات المنطوقة التي لا تحمل معنى لا قيمة لها على الإطلاق، ويعتمد استعمال اللغة على استقبال الكلمات من الآخرين، والقدرة على الاتصال بهم نتيجة فهم الفرد معاني الكلمات والمفردات والجمل.

وإذا كانت الأصوات ومعانيها تستقبل بواسطة حاستي السمع والبصر، فإن المعلومات المتعلمة والأصوات والمعاني تعالج بإجراءات أخرى ترتبط بتخزينها في الذاكرة واستدعائها عند الحاجة إليها واستخدامها.

كما أن اللغة ليست وسيلة اتصال وحسب وإنما هي رمز للهوية ووعاء للثقافة ومكون مهم للنسيج الاجتماعي والثقافي لأي مجتمع وأمة، وهي فكرة مهمة تأتي في سياق رفعها إلى مستوى الخيار الحضاري الضروري علّ أبناءها يصلون إلى مستوى المفاخرة بها إذا ثبت في روعهم أنها ليست وسيلة اتصال مجرد.

 

اللغة العربية.. لغة القرآن الكريم

كانت اللغة العربية ومازالت جوهر الهوية الثقافية، فهي أولاً لغة القرآن الكريم، وهي ثانياً لغة ثريه في محتواها، ثمينة بقدر مفرداتها على التعبير عن الحياة في أدق تفاصيلها وعن العلوم في أدق مكنوناتها.

وقد حافظت اللغة العربية على استمرار أمة عربية، لها امتداد جغرافي واحد وتاريخ مشترك واحد، وتطلعات مستقبلية واحدة، ولهذا فالأمم التي لم تكن تملك وحدة اللغة تفتت وانهارت؛ لأن العقل كان فيها منقسماً على ذاته والفكر فيها مغترباً عن واقعه.

اللغة العربية نسبية غير مطلقة، منفتحة غير جامدة ومن ثم كتب لها الاستمرار والدوام، فاللغة كائن نام في حالة من النمو والازدهار، وهي مرتبطة بتطور الحضارة، وهي أداة التفكير وقوامة، فلا تفكير بغير لغة. ما يستلزم أن تكون اللغة قادرة على التعامل والنقل والاحتواء لمفردات عصرها ومعانيها.

موقع اللغة العربية عالمياً

لم تكن اللغة العربية ذات شأن في المحيط الدولي باستثناء موقعها في المجتمعات الإسلامية بوصفها لغة العقيدة، أما الآن فقد أخذت اللغة العربية مكانتها بين لغات العالم المعاصر، واعترف بها لغة رسمية تستخدم في الهيئة العامة للأمم المتحدة وفي منظماتها.

والظاهرة التي لا يخطئ إنسان في ملاحظتها عندما نتحدث عن تعليم اللغات الأجنبية في المجتمع العالمي المعاصر هي إحساس هذا المجتمع بجدارة اللغة العربية في أن تُعلم، واستعداده لبذل الجهد وتقديم الإمكانات لتعليمها، وتستمد اللغة العربية هذه الجدارة لأن تُعلم من خلال عدة مصادر، يمثل كل منها حافزاً لتعلم هذه اللغة ودافعاً لتعلمها.

إن اللغة العربية جديرة بأن تُعلم لما لها من مكانة دينية فريدة تتميز بها، ولما لها من أهمية إستراتيجية بالنسبة إلى عدد الناطقين بها سواء في العالم العربي أو الإسلامي، كذلك جديرة بأن تعلم لما تحمله للإنسانية من تراث ثقافي كبير، إن من الثابت تاريخياً وحضارياً أن اللغة العربية قد حملت أمانة نقل علوم اليونان وفلسفتها إلى العالم أجمع في عصوره الوسطى وفي أكثر سنواته ظلاماً.

ولقد تزايد الاهتمام باللغة العربية في المجتمعات الغربية وخصوصاً في الولايات المتحدة الأميركية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، إذ أوضحت دراسة أميركية أن الإقبال على تعلم اللغة العربية في المعاهد والجامعات الأميركية شهد ارتفاعاً ملحوظاً حيث بلغت نسبة ٪46 عام 2010م مقارنة مع عام 2006م.

كما تعد دراسة اللغة العربية بوابة نحو المستقبل في بلد بعيد مثل كوريا الجنوبية التي تُدرّس العربية في أربع جامعات كبرى فيها، وتزايد اهتمام الكوريين باللغة العربية لاهتمامهم بالثقافة العربية؛ ولأنها لغة جميلة مميزة تكسب دارسها تميزاً.

 

خصائص اللغة العربية

تتمثل الخصائص العامة للغة العربية فيما يأتي:

إن اللغة العربية لغة اشتقاقظاهرة الاشتقاق أكثر وضوحاً في العربية. والاشتقاق معناه أن للكلمة ثلاثة أصول، وأنها تتمثل في عائلة من الكلمات بعضها أفعال، وبعضها أسماء، وبعضها صفات. ومن هذا الجذر نستطيع بناء عدد كبير من الكلمات.

إن اللغة العربية لغة صيغ:

بناء الصيغ مع الاشتقاق أساسان لتوليد المفردات وإثراء اللغة.. ويقصد ببناء الصيغ أنه يمكن تشكيل قدر كبير من الصيغ من أصل واحد.

إن اللغة العربية لغة تصريف: ففي العربية قد يتغير حرف بحرف آخر كان يترتب عليه الثقل. فكلمة «ميزان» كان حقها أن تكون «موازن» فتغيرت وصارت «ميزان» تجنباً للثقل.،

إن اللغة العربية لغة إعرابالإعراب أساس المعنى. ويقصد بالإعراب أن للغة قواعد في ترتيب الكلمات وتحديد وظائفها وضبط أواخرها. وهذا ما يساعد على دقة الفهم.

إن اللغة العربية لغة متنوعة في أساليب الجمل: إن العربية ذات أنماط مختلفة للجملة. فهناك الجملة الاسمية والجملة الفعلية، وهناك الجملة الخبرية والجملة الإنشائية، وهناك الجملة الاستفهامية والجملة الدعائية… وغير ذلك من أنماط الجمل التي تتميز بها العربية بسعتها.

إن اللغة العربية لغة غنية في التعبير: يقصد بذلك تزايد مترادفاتها كما يقصد به أن حرية الرتبة أعطت اللغة غنى في التعبير، فمن الممكن تقديم الخبر والمفعول به… إلخ.

إن اللغة العربية لغة غنية بوسائل التعبير عن الأزمنة النحويةإن الزمن يمكن التعبير عنه بأكثر من طريقة. فمن الممكن استعمال النواسخ الفعلية مع الأفعال، وكذلك بعض الحروف الخاصة بتغيرات الزمن.

إن اللغة العربية لغة تزاحمها العامية: تشترك لغات العالم في هذه الظاهرة. إلا أن العربية لتاريخها العريق ولسعة انتشارها بين شعوب مختلفة اللغات، قد تباعدت فيها المسافة بين العربية الفصحى والعاميات.

مشكلات اللغة العربية

في عالمنا العربي

ومن المشكلات التي تواجهها اللغة العربية وتكاد تغيب غياباً درامياً عنا نحن العرب الانفصام اللغوي الذي تعيشه الثقافة العربية، وهبوط مستوى العربية الفصحى على الألسن وفيما تكتبه الأقلام، ومشكلة التعريب وهذه المشكلات التي نعايشها في واقعنا العربي الراهن بشكل يومي تنخر في جسد لغتنا العربية.

وإذا رمنا الدقة والتمحيص قلنا إن أعظم قضية وأخطرها على الحاضر الراهن وعلى المآل المنتظر هي غياب الوعى بالمسألة اللغوية، ومن أخطر الظواهر السائدة في واقعنا العربي أن الجميع ينظرون إلى المشهد اللغوي بعين لاهية، وبفكر شارد، وبإحساس متخدر، حتى لنقول إن الجذوة الحضارية قد انطفأت، وإن الهمة الثقافية قد فترت، ولهيب الحماس قد خبا وانكفا، ولا مغالاة في القول إننا أمة تائهة بين الخيارات اللغوية.

كما تعاني اللغة العربية اليوم محنة قاسية وتجتاز مآزق حاسمه تكاد تسقط أمام التحديات في هاوية لا مخرج منها؛ لأن الخصوم يخططون لتخريبها. فلا يسعنا إلا أن نتسلح لإبراز معالم القوة والإبداع في لغتنا بتخطيط محكم ينتهج أدق الوسائل العلمية مع عدم الركون إلى التفاخر بالماضي والادعاء العاطفي والارتجال، حيث يجب أن ننطلق من أنفسنا وذلك بتغيير مناهجنا وسلوكنا.

وإنه لمما يحز في النفس أن يلجأ مدرسو اللغة العربية في مؤسساتنا التعليمية إلى شرح قواعدها وآدابها باللغة العامية، وقلما يتبادل مدرسا نحوِ حديثاً بينهما من دون أن ترى العامية سائدة والفصحى متروكة.

ويزعم الداعون إلى العامية عجز الفصحى عن التعبير بدقة وعمق عن خلجات النفوس وتصوير اللمحات العاطفية والأمثال الدارجة في كل قطر، مع ما يعانيه الطفل العربي في دراسة الفصحى. وقد نسوا أو تناسوا أن في تقوية اللغة العامية إضعافاً للفصحى وتفتيتاً للوحدة العربية بخلق عدد من الشعوب لكل منها عربيته الإقليمية.

وإذا كنا في عالم أصبحت القنوات الفضائية فيه في متناول كل إنسان، فهنا ينبغي أن تعتمد القنوات الفضائية العربية على الفصحى وترك اللهجات العامية وهذه مشكلة كبيرة وخصوصاً في المسلسلات، ونحن نخسر كثيراً بجعل اللهجة العامية هي لغة الحديث في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، وفي الحوار بالمسلسلات الإذاعية والتليفزيونية حيث تنتقل منهم إلى النشء الذين يقضون وقتاً طويلاً في الجلوس أمام التليفزيون، فالأطفال هم الذين سينقلون اللغة إلى من بعدهم، واللغة العربية الفصحى إذا ما اضمحلت من ألسنة الصغار فإنها لن تقوم لها قائمة في المستقبل.

إن ضعف اللغة العربية في الوقت الحالي يعود بالدرجة الأولى إلى أبنائها الذين تنكروا لها وتهاونوا في الحفاظ عليها، ووصول الأمر بهم -أحياناً- إلى الشعور بالخزي لتحدثهم بهذه اللغة، لذلك يلجأ بعض الناس إلى تطعيمها بكلمات من اللغة الإنجليزية، للدلالة على أنهم متحضرون وكأن هذه اللغة هي سبب تخلفهم، من دون أن يلتفتوا إلى أنهم هم الذين تخلفوا وأن اللغة ليس لها علاقة بتأخرهم.

كما أصبحت اللغة الإنجليزية تأخذ مكانها على حساب العربية في بعض المقررات، مثل: العلوم والرياضيات، وفي بعض المدراس الأجنبية يتم تدريس الدراسات الاجتماعية باللغة الإنجليزية، وهذا ما يهدد لغتنا العربية، كذلك أصبحت اللغة الإنجليزية شرطاً لكثير من الوظائف، وأن يتحدثها ويكتبها الشخص بطلاقة، إضافة إلى وجود خادمات آسيويات في المنازل يتحدثن لغة مكسورة، ولا نتكلم معهن باللغة العربية، وهو ما يؤثر في أطفالنا، الذين يتعاملون مع الخادمات، فيبدأ الطفل يتحدث بلغة عربية مكسورة وركيكة، وهنا نجد أن أطفالنا يتعلمون لغتنا العربية من الخدم.

كما أن اللغة العربية تصارع عدوين هما العامية والأجنبية، وفي ظني أن الصراع مع العامية صراع محدود فلا مانع أن يتحدث الناس فيما بينهم بالعامية داخل منازلهم وشوارعهم وجلساتهم الخاصة، لكن الضرر أن تفتح الأبواب التعليمية والثقافية للعامية لتأخذ مكان الفصحى فيها، أما الصراع مع اللغة الأجنبية فهو صراع حاد ينبغي التصدي له بقوة وعنف أحياناً حتى يتم تحجيم أعراضه وحصرها داخل الأطراف بعيداً عن صلب الجسد.

خاتمة:

علينا معالجة مشكلات اللغة العربية في عالمنا العربي حيث إن اللغة التي لا يهتم بها أهلها لا تكون أبداً جديرة باهتمام الآخرين لها، فينتفي بذلك الدافع لتعلمها من قبل الناطقين بغيرها، وهنا يتوجب على العرب، وعلى وسائل الإعلام العربي أن يكونوا جميعاً غيورين على اللغة العربية، ويعيدوا لها مكانتها، ويحموها، وأن يسهموا بكل أمانة في تقوية مكانتها، وضمان وجودها وانتشارها، وألا يسمحوا بإهمالها.

ولقد أمد القرآن الكريم اللغة العربية بقوة خاصة، وجعل لها مكانة متميزة في قلوب كل المسلمين، لذا هناك قدرات مالية كبرى في العالم الإسلامي يمكن تسخير جزء منها لتمويل مشروعات لإعادة مكانة اللغة العربية في مختلف مظاهر الحياة اليومية للإنسان، وبذلك تعود هوية الأمة ومن ثم لا يستطيع أن ينال منها أي شخص يشعر بالدونية أو غريب يريد طمس هوية أمتنا.

أستاذ مساعد

– جامعة الباحة