المقاتلات فرط صوتية.. وصراع التفوق في الأجواء

مشاركة الصفحة

​​

 
 

بقلم: حسني عبدالحافظ

في إطار الإستراتيجيات الجديدة التي اعتمدتها القوى الكبرى لتطوير أسلحتها، تأتي المباغتة والسرعة في الحسم على رأس الأوليات، وقد شهدت السنوات القليلة الماضية بواكير أسلحة متقدمة، تتميز -إلى جانب ذكائها الاصطناعي- بسرعات فرط صوتية.

فقد كانت الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي قد دخلت سباقاً لتطوير مقاتلات مستقبلية فرط صوتية؛ للسيطرة على الأجواء وحسم معاركها.

تقول فلورنس بارلي وزيرة الدفاع الفرنسية: «كثير من الدول تجهز نفسها بمثل هذه الأسلحة، ونحن أيضاً لدينا كل المهارات اللازمة لتحقيق ذلك، ولا يمكننا الانتظار».

فماذا عن مقاتلات المستقبل، من فرط صوتيات..؟

وهل تحسم صراع التفوق في الأجواء..؟

 

ماهية السرعة فرط صوتية

من منظور علم ديناميكا الهواء فإن السرعة فرط صوتية (hypersonic speed) هي السرعة الأعلى من الصوت، وفي تعريف آخر هي «السرعة التي تنتج عندها النفاثات التضاغطية، دفعاً صافياً».

ومنذ سبعينيات القرن الـ (20) الماضي استخدم المصطلح للدلالة على السرعة 5 ماخ وما فوقها، مع الإشارة إلى أن الماخ هو سرعة الصوت في الهواء، التي تعادل 300 متر/ثانية، أي: نحو 1224كم/ساعة، وتكون هذه السرعة عادة مصحوبة بتغيرات فيزيائية، تتعلق بتدفق الهواء، مثل التفكك، والتأين الجزيئي.

وفي تعريف وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) فإن وحدة الماخ، أو الماك (Mach) هي نسبة سرعة الطائرة إلى سرعة الصوت، أو النسبة بين السرعة المحلية في وسط ما وسرعة الصوت في ذلك الوسط نفسه، وتصنف سرعة الطيران في الأنظمة الجوية، إلى أربعة مستويات هي:

* دون الصوت «Subsonic».

* قريب من الصوت «Transonic».

* أسرع من الصوت Supersonic».

* فوق الصوت «Hypersonic».

وتاريخياً، بدأ التفكير في مشروع بناء أول مقاتلة تعمل بتقنية تنفس الهواء، في أوائل 1977م من قبل الأميركيين، وقد كلفت لوكهيد مارتن، بالتعاون مع وكالة الفضاء (ناسا) والمنظمة الأميركية لأبحاث الطيران الفائق السرعة، بتصميم هذا المشروع وتنفيذه، وقد حدد الإنتاج بواقع مقاتلتين، خلال ثماني سنوات، على أن تجرى 100 رحلة تجريبية لكل مقاتلة، إلا أن المشروع توقف على خلفية قيود في الميزانية.

التوجه الأميركي نحو المقاتلات فرط صوتية

في السادس والعشرين من مايو 2010م، فاجأت الولايات المتحدة الأميركية العالم بإجراء أول تجربة طيران لطائرة تفوق سرعتها 6 ماخ، أطلق عليها اسم (goeng-x51) وقد صنع من هذه الطائرة غير المأهولة 4 نسخ، وبالتزامن مع الذكرى الـ 60 لتأسيسها أعلنت الوكالة الأميركية للأبحاث الدفاعية المتقدمة (DAPRA) عن خطوات متقدمة في مشروعها المسمي فالكون، الذي تشارك فيه مع قيادة سلاح الجو الأميركي كجزء من المبادرة الإستراتيجية المعروفة باسم «الضربة الشاملة الخاطفة» التي تستهدف الوصول إلى أي نقطة في الكرة الأرضية وضربها، في خلال ساعة واحدة.

وكان سلاح الجو الأميركي قد أجرى تجربة على ما أطلق عليه اسم (AHW) وهو سلاح فرط صوتي، وصف بأنه «سري جداً»، في مجمع كودياك للإطلاق بألاسكا، إلا أنه بعد وقت قصير من الإطلاق تم تدميره، نتيجة عطل مفاجئ في منظومة التسارع، ووفقاً للمتحدث الرسمي باسم البنتاجون مورين شومان، فإن «التدمير جاء سريعاً، لعدم تعريض أمن المواطنين للخطر».

 

وسبق للوكهيد مارتن أن أعلنت في يونيو 2017م، عن قاذفة إستراتيجية فرط صوتية، طراز SR-72، تم تجريبها في ميدان «بالم دايل»، محققة نجاحاً كبيرًا.

يقول روب تايس الرئيس التنفيذي لمشروع القاذفة: «لمدة عشرين سنة، كنا نقول إننا نقترب من طائرة فائقة السرعة بخلال عامين، لكن كل ما يمكننا قوله الآن هو أن التكنولوجيا ناضجة، ونحن جنباً إلى جنب مع (DARPA) نعمل للحصول على هذه القدرة في طائرة مقاتلة تتمتع بسرعة عالية جدًا».

وفي تصريح أورلاندو كارفاليو نائب رئيس لوكهيد مارتن، أشار إلى أن «الولايات المتحدة الأميركية نجحت في الوصول إلى عتبة (ثورة فرط الصوتيات) والتحليق بسرعات تتجاوز الـ 5 ماخ، وتحويل الغاز الواقع بين الجسم الجوي المحلق، والبيئة المحيطة، إلى البلازما.

وبحسب بيان صادر عن قيادة القوات الجوية الأميركية فإنه أول مرة تشارك مقاتلتان فرط صوتيتين، في مناورات عسكرية فوق شبه الجزيرة الكورية، بمشاركة كوريا الجنوبية واليابان، وأن المقاتلتين انطلقتا من قاعدة في جزيرة غوام(2).

الروس.. والمقاتلات فرط صوتية

كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتن قد أدلى بتصريح -أثار قلقاً في الدوائر العسكرية الغربية- أشار فيه إلى أن بلاده لديها برامج ومشروعات مهمة لتحقيق التفوق في مجال المقاتلات المستقبلية من فرط صوتيات، التي تستطيع الوصول إلى ما وراء الأطلسي، وضرب أهدافها في وقت قياسي، وبدقة عالية، وذكر أن «سلاحاً لا يقهر، سيجعل جميع أنظمة الدروع الصاروخية الموجودة حالياً غير مجدية».

وأضاف: «إن روسيا هي الدولة الوحيدة في العالم التي تمتلك هذا الطراز الجديد من الأسلحة الإستراتيجية».

 

وبحسب تقارير حديثة فإن ثمة تقدم كبير حققته الصناعات العسكرية الروسية على صعيد فرط الصوتيات، وأن مكتب ميكويان لتصميم الطائرات صمم طائرة فرط صوتية، من طراز (MIG-41)وكانت لجنة الدفاع والأمن التابعة لمجلس الاتحاد الروسي قد أكدت في عام 2018م، عن البدء بمرحلة تطوير هذه المقاتلة التي تتميز بالخاصية الشبحية، والسرعة غير المسبوقة، والكفاءة في اعتراض الصواريخ العابرة للقارات، وهي من القدرة بحيث تستطيع التحليق في مدار الأقمار الاصطناعية وتدمير المعادية منها.

وكان قطاع صواريخ الراية الحمراء (Red Banner Missile Division)، المتمركز في أورينبورغ، بجنوبي منطقة جبال الأورال قد كشف عن نظام أفانغارد (Avangard) الجديد الذي يتألف من صاروخ بالستي عابر للقارات (ICBM)، محمول على مركبة ذات انزلاق معزز، تتميز بقدرتها على المناورة السريعة، من خلال تغيير مسار طيرانها وارتفاعاتها واختراقاتها أي دفاعات مضادة للصواريخ، وخداع أنظمة الرادار، وتدمير أهداف على بعد 6000 كيلو متر.

وفي يوليو 2020م، تسربت بعض المعلومات عن مقاتلة من الجيل السادس في طور الإنشاء، وصفت بالخارقة للطبيعة، تتجاوز سرعتها الـ 6 ماخ، ونطاق طيرانها يصل إلى 10 آلاف كلم، وبمتوسط ارتفاع 34 كم.

ونقل موقع روسيا اليوم عن فيكتور بونداريف قائد سلاح الجو الروسي قوله: «إن مقاتلتنا الواعدة يمكنها أن تطير بسهولة فوق الأراضي الأميركية، من دون أن تتعرض للإصابة، من قبل الدروع الجوية أو الصاروخية، وذلك في غصون سنوات قليلة من الآن».

المقاتلات الأوروبية تدخل السباق

وتسابق أوروبا الزمن ليكون لها موطئ قدم بين أقطاب صناعة مقاتلات المستقبل من فرط صوتيات، وكان تحالف يضم عددًا من مؤسسات الصناعات الدفاعية الأوروبية على رأسه المؤسسة البريطانية ري أكشن إنجينز ليمتد، التي تعرف اختصارًا بـ (REL) قد أعلن تحقيقه خطوات مهمة في مشروع الطائرة (SKYLON) فرط صوتية، التي يصل طولها إلى نحو 90 مترًا، وتمتلك محركاً يعمل بوقود الهيدروجين (SABRE) وهو محرك صاروخي يتنفس الهواء، صممه عالم الهندسة الميكانيكية آلان بوند، الذي أشار إلى أن هذا المحرك يمكن الطائرة من الإقلاع باستخدام مدرج تقليدي، والإسراع إلى 5.4 ماخ في 62 كيلو متر فقط.

 

ويضيف مارك هيمبسل مدير مشروع الطائرة: «يبدأ المحرك بحرق الهيدروجين مع الهواء، وينتهي بحرق الهيدروجين مع الأكسجين السائل، مثل محرك المكوك».

وكانت فلورنس بارلي وزير الدفاع الفرنسية، قد كشفت -في تصريح لوكالة فرانس برس- أن بلادها بصدد تصنيع مركبة انزلاقية فرط صوتية، تتجاوز سرعتها الـ 5 ماخ.

وأضافت أن أواخر عام 2021م، هو الموعد المقرر لإجراء أول رحلة تجريبية في إطار مشروع (V-MAX) الذي يعمل فيه مقاولاً رئيس مجموعة الصناعات الدفاعية والفضائية (AIG)، بالتعاون مع الوكالة الفرنسية للتسليح (DGA)، المعنية بعقود المشتريات والإشراف العام على المشروع.

ووفقاً لما هو موضوع في المخطط فإن المركبة مجهزة لحمل رؤوس حربية نووية وتقليدية، ولديها القدرة والكفاءة على المناورة بسرعات عالية لتفادي الدفاعات الجوية للعدو.

الصين.. والجيل الجديد من المقاتلات فرط صوتية

كان تقرير نشرته (Contra Magazine) أشار إلى أن الصين بصدد بناء مختبر جديد لتصنيع المحركات التي ستركب على جيل جديد من الطائرات الصينية فرط صوتية، تشمل عددًا من الطرز لمقاتلات حربية متطورة، وكذا طائرات مدنية صغيرة لرجال الأعمال، قادرة على إنهاء رحلة من بكين إلى نيويورك في غضون ساعتين فقط، وقد اختير موقع بمقاطعة أنهوي، لإنشاء هذا المختبر، الذي يشارك بالعمل فيه خبراء من الأكاديمية الصينية للعلوم، وأساتذة هندسة من جامعة جياو تونغ.

وبحسب مصادر عسكرية صينية فإن مقاتلة فرط صوتية من طراز (WU-14) دخلت مرحلة الاختبارات، وهي تتميز بخصائص ومواصفات غير مسبوقة، حيث لديها القدرة على التحليق بسرعة تفوق سرعة الصواريخ الأميركية المعلن عنها، وتحمل على متنها قذائف ورؤوساً نووية وتقليدية، ويمكنها ضرب أي هدف في العالم، بمدى زمني أقل من ساعة واحدة (تحديدًا 53 دقيقة)، وأن منظومة الكشف الراداري في الدرع الصاروخي الأميركي، تعجز عن التقاطها، وأنها من الكفاءة بحيث تستطيع توجيه ضربات دقيقة، عند التحليق على ارتفاعات منخفضة نسبياً، بمعدل خطأ لا يتجاوز 10 أمتار فقط.

 

خاتمة

يبدو أن سباق التفوق في الأجواء، من خلال المقاتلات فرط صوتية لم يعد قاصرًا على أوروبا والولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين، حيث هناك تسريبات ومؤشرات على أن قوي جديدة ستدخل مضمار هذا السباق، فقد أشارت تقارير حديثة إلى أن أستراليا وضعت خططاً لمشروع تطوير طراز جديد من المقالات فرط صوتية، كذلك الحال في البرازيل، والهند.

وكانت دراسة أجراها فريق بحثي من مؤسسة (RAND) الأميركية، قد أفضت نتائجها إلى أن من يمتلك زمام هذه السرعات قادر على تحقيق الحسم في المعارك الجوية، إذ إن «الانطلاق بسرعات تتضاعف عشر مرات عن سرعة الصوت، نحو هدف على بعد ألف كيلو متر، سيقلل زمن القدرة على المواجهة والردع، إلى ست دقائق فقط».

ولم يخف الأميركيون انزعاجهم الشديد من توجه الروس إلى امتلاك ترسانة من الأسلحة الحديثة، من بينها مجموعة فرط صوتيات، تضم -إضافة إلى المقاتلات- صواريخ «كينجال» أو الخنجر، و«أفانغارد» أو الطليعة، وهي صواريخ متقدمة تقنياً، وغير مسبوقة السرعة..كما أبدوا قلقهم من اتخاذ الصين الاتجاه نفسه نحو تصنيع أسلحة ومقاتلات فرط صوتية.

ولاتساع دائرة المنافسين في تصنيع المقاتلات فرط صوتية، ال ذي يتبعه بالضرورة تعدد الطرز من هذه المقاتلات، فإن ثمة طريقاً موازياً، بدأت بعض القوى الكبرى السير فيه، يتعلق بإيجاد حلول مضادة، يمكن من خلالها الحد من خطورة ما تمتلكه قوى معادية من هذه المقاتلات.

يقول ستيفن ووكر مدير مجلس إدارة وكالة دربا: «إن الوقت قد حان -ليس فقط لتحقيق التفوق الأميركي في امتلاك المقاتلات والأسلحة فرط صوتية- ولكن أيضاً لامتلاك مضادات، قادرة على ردع ما تمتلكه القوى المعادية، من مقاتلات وأسلحة شبيهه».

 

وفي تصريح له، أشار الجنرال بول سيلفا نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأميركي، إلى: «إننا لن نهزم في معركة السرعات فرط صوتية، ولدينا برامج ذات أهمية خاصة للمواجهة، وتحقيق التفوق».

وفي معرض (D60)، الذي عقد بالولايات المتحدة، على مدار ثلاثة أيام، في شهر سبتمبر 2018م، قدمت وكالة دربا، مشروع مركبة اعتراضية ذات انزلاق معزز (Glide Breaker)، وذكر أن هذه المركبة قادرة على تدمير الصواريخ فرط صوتية للعدو بفضل استخدامها ما يسمى بـ «الاعتراض الحركي»، ما يدفع المركبة للتوجه مباشرة نحو الهدف.

وبحسب (Military Watch)فإن الروس كذلك أعلنوا عن دخول ثلاث مقاتلات اعتراضية حديثة، هي ميغ (DSM 31) و(سو 35)، و(سو 27) القادرة على اعتراض المقاتلات المعادية، من مسافات بعيدة، وارتفاعات عالية، وأنها من الكفاءة بحيث تستطيع متابعة 24 هدفاً، وتدميرها من مسافة 400 كيلو متر، وقد زودت هذه المقاتلات الاعتراضية بمجموعة صواريخ فرط صوتية، من طراز (RM-37) التي يصعب تفادي رؤوسها، بعد انطلاقها نحو الهدف.

 

 

المراجع:

شارل بيري (وآخرون): الدفاع الجوي والصاروخي ومواجهة انتشار أسلحة الدمار الشامل.

يفغيني دياكونوف (تقرير): روسيا والولايات المتحدة صراع الأسلحة فرط صوتية.

لواء ركن عبدالله سيد أحمد (وآخر): حرب النجوم..تكنولوجيا وآفاق.

حسني عبدالحافظأسلحة المستقبل.

تقارير منشورة حول مستقبل الصناعات العسكرية الجوية والفضائية:

(DARPA RAND نوفوستي *سبوتينك –رويتر – فرانس برس).

https://www.almusallh.ly/ar/scitech/1685-2018-04-30-19-17-43

-https://nasainarabic.net/main/articles/view/supersonic-flight.​