الأمن الإنساني وجائحة كورونا المستجد (covid-19)

مشاركة الصفحة

​​

 
 

العميدسالم بن محمد المري

 

أهمية الأمن كانت الشاغل الرئيس لكثير من الباحثين -في محاولة منهم- للوصول إلى مفهومه، ولقد مر مفهوم الأمن والدراسات الأمنية والإستراتيجية بعدة تطورات ابتداء من اتفاقية وستفالىا عام 1648م، وسيادة الدولة فيما عد أنه البداية للدولة الوطنية بمفهومها الحديث، مروراً بالحرب العالمية الأولى 1918م، ونشأة عصبة الأمم، ونظرية الأمن الجماعي، والحرب العالمية الثانية 1945م ونشأة منظمة الأمم المتحدة؛ بهدف ضمان الأمن والسلم الدوليين.

كما شكلت نهاية الحرب العالمية الثانية نقطة تحول إذ برزت الحاجة إلى علم جديد قادر على تفسير الأحداث وتحليلها والتنبؤ بها للحد من التبعات والآثار السلبية التي قد تحدثها الحروب والصراعات الدولية.

وفي سنوات الحرب الباردة ظهر علم الدراسات الأمنية بحلته الجديدة، وقد تطور بدافع انقسام العالم إلى معسكرين شرقي شيوعي بزعامة الاتحاد السوفيتي، وغربي رأس مالي بزعامة الولايات المتحدة الأميركية.

ونشير هنا إلى أنه في تلك السنوات كان هناك تلازم بين مصطلح الأمن والدولة، وفي بداية الثمانينيات من القرن العشرين أخذت الدراسات الأمنية منحى جديداً طالب فيه أصحابه بضرورة توسيع مفهوم الأمن، وعدم حصره في الجانب التقليدي العسكري، ليشمل إضافة إلى البعد العسكري أبعاداً أخرى كالاقتصادي، والاجتماعي، والجرائم الدولية العابرة للحدود، بغية تركيز مفهوم الأمن ليشير إلى ما يهدد «الإنسان لا الدولة».

خصائص الأمن الإنساني

ورد في تقرير التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام 1994م أن الأمن الإنساني انطلق من فكرة بسيطة، يتوقع أن تحدث ثورة اجتماعية في القرن الحادي والعشرين، تركز هذه الفكرة في أربع خصائص أساسية هي:

الأمن الإنساني: هو اهتمام عالمي تنطلق عالميته بالاهتمام بالناس في كل مكان وزمان، سواء كانوا يعيشون في دول غنية أو فقيرة، متقدمة صناعياً أم متخلفة، وذلك بسبب وجود عدد من التهديدات المشتركة التي قد تختلف حدتها من مكان إلى آخر ولكنها في الأخير تجمع بين البشر أينما كانوا، مثل: البطالة، المخدرات، الجريمة، التلوث البيئي، وانتهاكات حقوق الإنسان.

الأمن الإنساني مترابط على المستوى الدولي:

لم تعد أخطار المجاعات والأمراض والتلوث البيئي وتجارة المخدرات والإرهاب والنزاعات العرقية والتفكك الاجتماعي محصورة داخل حدود الدولة الوطنية، بل يمتد أثرها إلى جميع الدول.

حماية الأمن الإنساني أقل تكلفة:

تشكل الحماية وقاية مبكرة تمنع انتشار عوامل التهديد إلى مناطق أخرى، ما يصعب من مواجهتها ويزيد من تكلفة التصدي لها.

يساعد على تحسين حياة البشر:

يهتم الأمن الإنساني بحياة الناس في المجتمع، ومستوى الحرية المتوافرة لهم لممارسة خياراتهم السياسية والدينية والاجتماعية، وفرصهم في العمل والكسب، سواء كانوا في صراع أو في سلام.

انطلاقاً من هذه الخصائص أصبح الأمن الإنساني مطلباً عالمياً يرتبط بحفظ حق الأفراد والجماعات في الوجود والاستمرارية بتحقيق الاكتفاء الاقتصادي والاجتماعي، واحترام الحقوق الفردية والحريات الأساسية، والحماية من كل ما يهدد حياة الإنسان وكرامته.

وحدة الأمن الإنساني التابعة للأمم المتحدة

حسب ما هو منشور في موقع (UN) فقد أنشئت وحدة الأمن الإنساني في مايو 2004م، ويتمثل الهدف العام للوحدة في إدماج نهج الأمن الإنساني في عمل منظومة الأمم المتحدة، وفي تعزيز تصدي المنظمة للتحديات المتعددة والمعقدة.

وتضطلع الوحدة التي تجمع بين إدارة صندوق الأمم المتحدة الاستئماني للأمن الإنساني وأنشطة الدعوة والتوعية بدور محوري في ترجمة نهج الأمن الإنساني إلى نتائج ملموسة، والىوم أصبحت مبادئ الأمن الإنساني معممة في جداول الأعمال العالمية الرئيسة.

تعميم مفهوم الأمن الإنساني

في الأمم المتحدة

تعمل الوحدة (Human Security Unit) على تعميم نهج الأمن الإنساني في عمل الأمم المتحدة في المقر وعلى الصعيد القطري بتقديم الدعم إلى المستشار الخاص المعني بالأمن الإنساني، وتقام شراكات مع الدول الأعضاء مثل شراكة «أصدقاء من أجل الأمن الإنساني» و«شبكة الأمن الإنساني» ومع منظومة الأمم المتحدة والفريق العامل المشترك بين الوكالات المعني بالأمن الإنساني.

توسيع مفهوم الأمن الإنساني

الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أمام الجمعية العامة 20 مايو 2010م يحث على توسيع مفهوم الأمن الإنساني. ومؤكداً أن حماية الناس وتمكينهم في كل أنحاء العالم يجب أن تشكل أساس عمل الحكومات، ودعا الدول الأعضاء إلى قبول توسيع مفهوم الأمن الإنساني، وأن الأزمات والكوارث التي تقع الىوم أصبحت متداخلة ومتشابكة وعابرة الحدود، وتهدد سبل الحياة ومعيشة ملايين البشر بصورة غير مسبوقة.

وذكّر الأمين العام بالأزمة المالىة والغذائية، مشيراً إلى أنها لم تترك أي منطقة، ولا توجد دولة بمعزل عن هذه الأزمات.

وكان مؤتمر القمة الذي انعقد عام 2005م قد أشار إلى مفهوم الأمن الإنساني حيث قال: «إن كل الأفراد وخصوصاً الفئات الضعيفة من حقها الحرية في العيش من دون خوف ومن دون احتياج مع ضرورة تساوي الفرص للتمتع بكل حقوقها وتطوير إمكاناتها البشرية».

كما أكد بان كي مون ضرورة ضمان عدم فقدان المكاسب التي تحققت حتى الآن بسبب الأزمات التي قد تحدث غداً، داعياً إلى اتخاذ إجراءات وإستراتيجيات مركزة في البشر، وشاملة ووقائية على كل المستويات.. وقال: «إن تطوير الأمن الإنساني يتطلب مؤسسات قوية ومستقرة مع احتفاظ الحكومات بالدور الأساسي في وضع نظام مبني على القانون وتحديد احتياجات السكان لرفع المعاناة وتطوير حلول مبنية على الواقع ،وبناء شراكات ذات أهداف محددة وغير مكلفة».

وأضاف أن «مفهوم الأمن الإنساني» هو أساس عمل الأمم المتحدة التي تسعى في إعادة بناء المجتمعات الممزقة بفعل الحروب، ومنع وقوع الكوارث، والاستجابة لها وتعزيز الرعاية الصحية والتعليم.

جائحة كورونا

المستجد (covid-19)

(covid-19) مرض معد يسببه آخر فيروس تم اكتشافه من سلالة فيروسات كورونا، ولم يكن هناك أي علم بوجود هذا الفيروس الجديد ومرضه قبل بدء تفشيه في مدينة ووهان الصينية في ديسمبر 2019م. وقد تحول الآن إلى جائحة تؤثر في كثير من بلدان العالم.

 

اسم (covid-19)

هو الاسم الذي أطلقته منظمة الصحة العالمية على الفيروس المسبب لمرض الالتهاب الرئوي الحاد والمعروف باسم (كورونا) الذي أعلنته منظمة الصحة العالمية جائحة عالمية، يؤثر المرض في الناس بشكل مختلف، حيث تظهر معظم الحالات أعراضاً خفيفة، خاصة عند الأطفال والشباب، ومع ذلك فإن بعض الحالات يمكن أن تظهر بشكل حاد وخطير، حيث يحتاج نحو ٪20 من المصابين إلى الرعاية الطبية في المستشفى «لا يميز فيروس كورونا بين الجنسيات أو بين النساء والرجال أو الأعمار، ومن المهم جداً ألا يؤدي الخوف إلى وصم الأصدقاء، أو الجيران، أو أفراد المجتمع بالعار حال إصابتهم بالمرض، بل يعامل جميع الناس برأفة، والعمل على توعية الآخرين».

وقد أعلنت منظمة الصحة العالمية أن فيروس (covid-19) يمكن وصفه بأنه «جائحة».. جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي عقده المدير العام للمنظمة في جنيف، الأربعاء 11 مارس 2020م.

وذكر المدير العام للمنظمة، أنهم شهدوا زيادة في عدد حالات الإصابة بالفيروس خارج الصين بـ 13ضعفاً، وزاد عدد البلدان المتضررة ثلاثة أضعاف، وأشار إلى أنه في وقت الإعلان عن الجائحة كان هناك أكثر من 118،000 حالة في 114 دولة، وفقد 4،191 شخصاً حياتهم، فيما يصارع آلاف آخرون من أجل حياتهم في المستشفيات.

وأعرب المسؤول الأممي عن قلق عميق إزاء كل من المستويات المقلقة للانتشار وشدته، والمستويات المقلقة للتقاعس عن العمل.

إستراتيجية شاملة لمنع العدوى

المدير العام لمنظمة الصحة العالمية يدعو الدول إلى اتباع نهج كامل، يشمل الحكومة والمجتمع، مبني على إستراتيجية شاملة لمنع العدوى وإنقاذ الأرواح وتقليل التأثير، ولخص هذه الإستراتيجية في أربعة مجالات رئيسة:

الجهوزية والاستعداد – كشف وحماية وعلاج – تقليل انتقال العدوى – والابتكار والتعلم.

كما دعا جميع البلدان إلى تفعيل آليات الاستجابة لحالات الطوارئ الخاصة بها، وتوسيعها من خلال التواصل مع الناس حول المخاطر، وكيف يمكنهم حماية أنفسهم، والبحث عن كل حالة وعزلها واختبارها وعلاجها وتتبع كل اتصال، وتجهيز المستشفيات، وحماية العاملين الصحيين وتدريبهم.

أثر كورونا على الأمن الإنساني

حسب ما ورد في موجز التغطية الصحية الشاملة لـ (covid-19)الصادر من الأمم المتحدة، أنه بعد تسعة أشهر من سماعنا أول مرة عن (covid-19) أودت الجائحة بحياة أكثر من مليون شخص، وأصابت أكثر من 30 مليوناً في 190 بلداً، وما زال عدد حالات العدوى يرتفع، وثمة دلائل مقلقة على وقوع موجات جديدة من الإصابة بالمرض، ولا يزال كثير من المعطيات المتعلقة بالفيروس مجهولاً، ولكن الحقيقة الأساسية الجلية هي أن العالم لم يكن مستعداً لمواجهة الجائحة، فقد كشفت الجائحة عن قصور فادح في النظم الصحية، وثغرات واسعة في الحماية الاجتماعية، ومظاهر تفاوت بنيوية كبرى داخل البلدان بين بعضها بعضاً.

لذا يجب علينا جميعاً أن نستخلص عبراً قاسية من هذه الأزمة، وهذه الفجوة الكبيرة في التغطية الصحية وهي أحد الأسباب الكامنة وراء قدر كبير من الألم والمعاناة اللذين أحدثتهما الجائحة، فالجائحة تكبد الاقتصاد العالمي 375 بليون دولار شهرياً، وأصبحت التنمية البشرية تسير في الاتجاه المعاكس أول مرة منذ أن بدأنا قياس مؤشراتها عام 1990م.

وقد دلت جائحة كوفيد-19 على أن توفير التغطية الصحية الشاملة، وإقامة نظم صحية عامة قوية، وبناء القدرة على التأهب لحالات الطوارئ، أمور أساسية للمجتمعات المحلية، وللاقتصادات وللناس كافة، ويبلغ عدد من لا يحصلون -من سكان العالم- على ما يحتاجون إليه من خدمات صحية نصف أولئك السكان على الأقل، ويسقط نحو 100 مليون شخص في براثن الفقر كل عام بسبب تكالىف الرعاية الصحية الباهظة، وهذه الفجوة الكبيرة في التغطية الصحية هي أحد الأسباب الكامنة وراء مقدار كبير من الألم والمعاناة اللذين أحدثتهما الجائحة.

وتتطلب التغطية الصحية الشاملة من الحكومات أن تعزز الاستثمار في المنافع العامة المتعلقة بالصحة، بما في ذلك المراقبة والإشعار بالمخاطر، حتى لا يواجه العالم مثل هذا الوضع مرة أخرى أبداً، وتتطلب أيضاً أن تكون برامج الصحة العامة منصفة وشاملة للجميع وخالىة من أي عوائق مالىة، فلا ينبغي أن يتوقف العلاج الصحي على الحالة المالىة، وقد وافقت جميع البلدان على العمل من أجل تحقيق التغطية الصحية الشاملة جزءاً من خطة التنمية المستدامة لعام 2030م.

برنامج الأغذية العالمية (WFP)

تفيد بيانات البرنامج عن تسبب وباء كورونا المستجد (covid-19)في تعطيل العالم والحياة التي كنا نعرفها، فقد أدى إلى وقوع خسائر فادحة في الأرواح، والأنشطة الاقتصادية، كما أن انتشاره السريع عالمياً يمثل تهديداً للملايين الذين يعانون بالفعل انعدام الأمن الغذائي، وسوء التغذية، وتأثير النزاعات والكوارث الأخرى.

وتسببت جائحة فيروس كورونا (covid-19) في حدوث اضطرابات عالمية في أنظمة النقل والروابط التي يعتمد عليها المستجيبون في إطار العمل الصحي والإنساني عادة للوصول إلى المناطق المتضررة وقت الأزمات.

منظمة العمل الدولية (ILO)

ورد في تقرير جديد للمنظمة توقع أن يشهد العالم تقلصاً في الوظائف لنحو 200 مليون من الموظفين بدوام كامل في الأشهر الثلاثة المقبلة فقط (تحذير يأتي بعد حوالي ثلاثة أسابيع من توقع المنظمة تعرض 25 مليون وظيفة للتهديد بسبب (covid-19) خصوصاً بعد فرض إجراءات الإغلاق الكامل، أو الجزئي في عدد من الدول، وما حمله ذلك من تأثير في نحو 2.7 مليار عامل، أي: 4 من بين كل 5 من القوى العاملة في العالم.

وأضاف أنه على الرغم من أن جميع المناطق في العالم تعاني الأزمة التي تسبب بها الفيروس، شهدت الدول العربية وأوروبا أسوأ تأثير في مجال التوظيف من ناحية نسبية، وأكبر الخسارات من ناحية الأرقام، تتركز في دول آسيا والمحيط الهادي، وهي أكثر المناطق المأهولة بالسكان في العالم.

وقال غاي رايدر، مدير عام منظمة العمل الدولية، في تصريحات من جنيف: إنه في بداية العام، وقبل أن يتفشى (covid-19) في العالم أن 190 مليون شخص التحقوا بصفوف البطالة، وأنه مع الصدمة التي أحدثها الفيروس فمن الواضح للعيان أن عالم التوظيف يعاني تهاوياً غير عادي على الإطلاق؛ بسبب تأثير الجائحة والتدابير المتخذة للتعامل معها، كما ذكر أن العاملين في أربعة قطاعات هي الأكثر تأثراً بسبب المرض وتراجع الإنتاج، هي:

قطاع الغذاء والفنادق (144 مليون عامل) – قطاع البيع بالجملة والتجزئة (582 مليوناً) – قطاع خدمات الأعمال والإدارة (157 مليوناً) -قطاع التصنيع (463 مليوناً).

كما يشير مدير منظمة العمل إلى أن جميع هذه القطاعات تشكل ما نسبته ٪37.5 من التوظيف العالمي، ويشعر العاملون في هذه القطاعات -أكثر من غيرهم-الآن بحدة تأثير الجائحة عليهم، وحددت المنظمة أربع ركائز هي أوليات للتعافي ما بعد (covid-19)، وهي:

تحفيز الاقتصاد والتوظيف – دعم الشركات والوظائف والدخل – حماية العاملين في مكان العمل – الاعتماد على الحوار الاجتماعي لإيجاد الحلول.

الأمن الصحي

هو مصطلح أمني يعد أحد أبعاد الأمن الإنساني التي وردت في تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية عام 1994م. نتيجة لتجاوز الأمن التقليدي العسكري، واتساع مفهوم الأمن ليشمل تهديدات الأمن غير التقليدي، والأمن الصحي التي تشمل جميع إجراءات الدولة واحترازاتها وأنشطتها في حدودها السيادية لمجابهة الأخطار والحوادث والمحافظة على صحة مواطنيها العامة.

 

الرعاية الصحية في المملكة العربية السعودية

حسب ما ورد في المنصة الموحدة «GOV.SA» بأن النظام الصحي في المملكة يهدف إلى ضمان الرعاية الصحية الشاملة وتوفيرها لجميع السكان بطريقة عادلة وميسرة، وتعمل الدولة ممثلة بوزارة الصحة على توفير شبكة متكاملة من خدمات الرعاية الصحية تغطي جميع مناطق المملكة، وتحدد الوزارة -بالتعاون مع مجالس المناطق- الاحتياج ومواقع تقديم الرعاية ومستوياتها وفقاً للوضع الجغرافي والسكاني وأنماط الأمراض السائدة في المنطقة، وتقديم الرعاية الصحية في المرافق الطبية الحكومية للمواطنين بشكل مجاني وحسب نظام الرعاية الصحية الجديد الذي يواكب احتياجات القطاع الصحي.

وزارة الصحة في المملكة

في منشور إستراتيجيتها المعلن تفيد وزارة الصحة أن الإستراتيجية تأتي بشكلها الحالى متسقة ومتناغمة مع إستراتيجية الرعاية الصحية في المملكة التي تمت المصادقة عليها بقرار مجلس الوزراء الموقر رقم 320 وتاريخ 17/9/1430هـ، من بدء خطط التنمية في المملكة العربية السعودية قبل أربعين عاماً، إذ إن تحسين خدمات الرعاية الصحية المقدمة لمواطني المملكة كان خياراً إستراتيجياً تبنته القيادة الرشيدة -حفظها الله- الذي يتجسد في التنمية الصحية في المادة الحادية والثلاثين من النظام الأساسي للحكم، التي شددت على عناية الدولة بالصحة العامة، وتوفير الرعاية الصحية لكل مواطن، وهو ما أكدته كذلك خطط التنمية الثماني السابقة التي انطلقت جميعها من مفهوم واحد وهو توفير مقومات الرعاية الصحية التي تلبي احتياجات السكان في كل أرجاء المملكة.

تعريف مفهوم الصحة

التعريف الوارد في ديباجة دستور منظمة الصحة العالمية ينظر إلى مفهوم الصحة على أنه «حالة من اكتمال السلامة بدنياً وعقلياً واجتماعياً، لا مجرد انعدام المرض أو العجز».

كما تقر بأن الحق في الصحة يشمل طائفة عريضة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي تهيئ الظروف التي تسمح للناس بأن يعيشوا حياة صحية، كما تشمل المقومات الأساسية للصحة مثل: الغذاء والتغذية، والمسكن، والحصول على مياه الشرب المأمونة والإصحاح الوافي، والعمل في ظروف آمنة وصحية، وبيئة صحية.

(جنيف 2008ممنظمة الصحة العالمية

يتمحور الأمن الصحي حول كيفية حماية أفراد المجتمع من جميع الأخطار الصحية التي تواجههم، وذلك في سبيل جعلهم ينعمون بحياة آمنة صحياً وأكثر استقراراً، وعلى الرغم من التقدم الذي شهدته الرعاية الصحية، ثمة أكثر من عشرين مليون إنسان يموتون بسبب الأمراض التي لا يمكن الحؤول دونها. فالصحة هي عنصر مكوِن أساسي لأنه في أساس الأمن تكون حماية حياة الإنسان، والصحة الجيدة تشكل شرطاً مسبقاً للاستقرار الاجتماعي، والعوامل التي تؤثر في الصحة كثيرة، من أهمها عامل سوء التغذية سواء في حالة نقص كمية الغذاء، أو سوء نوعيته.

دائرة الأمن الصحي لمنظمة الصحة العالمية

تفيد الدائرة بأن لدى جميع البلدان والمجتمع العالمي معلومات وسياسات وقدرات وممارسات وفرص للحصول على الموارد والخبرات والشبكات اللازمة لإعلام السكان أولاً بأول بالمعلومات، وتأمينها من المخاطر والأخطار والطوارئ المتعلقة بالأمن الصحي، وتسهم جميع البلدان والمجتمع العالمي في ذلك بنشاط،

كما تفيد المنظمة (WHO) نفسها أن الأمن الصحي يشمل الأنشطة المطلوبة لتقليل خطر حوادث الصحة العامة الحادة وتأثيرها الذي يعرض الصحة الجماعية للسكان الذين يقطنون المناطق الجغرافية والحدود الدولية للخطر.

وتتحمل جميع الحكومات على مستوى العالم مسؤولية حماية الصحة لسكانها، وبظهور تحديات أمنية جديدة ناتجة عن خطر الزيادة بالإصابة بالأمراض المعدية العالمية، إذ بدت الحاجة أكبر إلى الالتزام العالمي والتعاون في سبيل الصحة العامة، نتيجة للعولمة وازدياد القلق من الخطر عابر الحدود، ونقل الأمراض المعدية وانتشارها ما يعد في الأساس جزءًا لا يتجزأ من برامج الأمن القومي والدولي، حيث أصبحت الأمراض والجوائح والأوبئة مصدر قلق متزايد لصانعي السياسات على المستوى العالمي والمستوى الوطني للحكومات والدول، ما يدعو إلى توفير موارد أساسية لتنفيذ الإجراءات الصحية الفعالة.

وتؤدي مبادرات منظمة الصحة العالمية مثل برنامج الأمن الصحي العالمي دورًا أساسيًا في مناصرة الأمن الصحي، تهدف إلى تطوير الكشف عن الأمراض والوقاية منها والتصدي للأمراض المعدية عبر مراقبة الصحة العامة، والشراكات بين الدول.

كما أن الأمن الصحي يعد مصطلحاً لقضايا الصحة العامة التي تتضمن حماية السكان على الصعيد الوطني من التهديدات الصحية الخارجية كما في الجوائح.

مسؤولية الأمن الصحي

الأمن الصحي يتجاوز نطاق الطرف الواحد وقدرته، أو نطاق قطاع منفرد داخل الحكومة، لذا فهو مسؤولية مشتركة تتحقق بالمشاركة والتعاون بين عدة أطراف تتثمل في عدد من الوزارات والقطاعات المعنية، ليعنى كل طرف بواجبه وبما يخصه في جانب الأمن الصحي والقيام بالمطلوب منه، لذا فقد شكلت حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان -في وقت مبكر وقبل إعلان أي حالة إصابة في السعودية- لجنة معنية بمتابعة الوضع الصحي لفيروس كورونا، تشمل هذه اللجنة 13 وزارة يترأسها وزير الصحة وتضم في عضويتها ممثلين من وزارات:

الدفاع، الطاقة، الداخلية، الحرس الوطني، الخارجية، الصحة، المالىة، الإعلام، التجارة، الاستثمار، الحج والعمرة، التعليم، وهيئة الطيران المدني، هيئة الهلال الأحمر السعودي، الهيئة العامة للغذاء والدواء، الهيئة العامة للجمارك، وزارة السياحة، المركز الوطني للوقاية من الأمراض ومكافحتها (Saudi CDC).

كما جهزت وزارة الصحة 25 مستشفى للتعامل مع حالات كورونا، وأكثر من 2200 سرير لعزل الحالات، وخصصت الرقم (937) للاستفسار بشأن الفيروس، وشاركت في حملة توعوية في كل الوسائل الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بها لرفع مستوى الوعي لدى المواطنين والمقيمين.

وكان لعامل الزمن وما يشمله من توقيتات لاتخاذ الإجراءات الاحترازية للتعامل مع فيروس كورونا حضور قوي تمركز حوله نجاح إستراتيجيات الدولة والمجتمع والفرد أو فشلها في التعامل مع الجائحة.

أما الدول التي تفاعلت مع حدث إعلان الجائحة بجدية وحرص، واتخذت التدابير المطلوبة وطبقت الإجراءات الصحية في وقت مبكر وأغلقت الطيران وخصوصاً الآتين من الدول الموبوءة بالفيروس، استطاعت أن تحد من تفشي الفيروس، وتحافظ على نظامها الصحي قوياً وقادراً على تقديم الخدمات الصحية لمواطنيها.

كما تسبب تأخر بعض الدول في اتخاذ الإجراءات الصحية الاحترازية في سقوطها في عين عاصفة الفيروس، والضغط على نظامها الصحي لدرجة عدم تمكنه أو قدرته على تقديم الخدمات الصحية المطلوبة؛ لكثرة أعداد المصابين، ما دعا بعض الدول إلى طلب التدخل الطبي العسكري للقوات المسلحة فيها؛ لعدم مقدرة نظامها الصحي لوحده القيام بعمله، وعدم مقدرة المستشفيات فيها على تقديم أي خدمات للمصابين بفيروس كورونا والمرضى داخل المستشفيات.

شكل فيروس كورونا المستجد (covid-19) تهديداً للأمن الصحي ونتيجة ذلك فقد بدا لنا واضحاً في سرعة انتقال المرض والإصابة بأعداد كبيرة ما شكل عبئاً على القطاع الصحي في دول العالم، ونتيجة ذلك.

فقد انهارت بعض الأنظمة الصحية لبعض دول العالم الأول، وبعض منها تحول إلى اقتصاد الحرب، واتضح فشل بعض الإستراتيجيات سواء في قلة المخزون الطبي أو في تصنيع المعدات الطبية والاعتماد الكلي على الاستيراد وكذلك الإستراتيجيات المعمول بها في تصنيع الأدوية والعقاقير الطبية، إذ وقعت الدول صاحبة براءة الاختراع تحت رحمة الدول المصنعة التي نقلت إلىها مصانع الإنتاج.

ولأن الأمن الإنساني مترابط في أبعاده السبعة التي سبق ذكرها فقد بدا لنا تأثير جائحة كورونا المستجد (covid-19) على الأبعاد الأمنية الأخرى ومنها الأمن الاقتصادي، ما أدى إلى إقفال عدد من المصانع والأعمال والتجارة ومنع السفر وتعطيل المطارات، ما نتج عنه خسائر اقتصادية فادحة لكثير من الدول والشركات، وفقدان الوظائف والأعمال وتفشي البطالة وفقدان الدخل.

كما أنه شكل تهديداً واضحاً للأمن الشخصي نتيجة للخوف من الإصابة بالفيروس من الشخص نفسه، أو نقله إلى أفراد عائلته ووالديه وأبنائه، إضافة إلى ما يصاحب ذلك من ضغوط ومشكلات نفسية، وتفكيره في عمله أو تجارته أو مصدر رزقه.

وكذلك الأمن المجتمعي فقد فرض التباعد الاجتماعي ونظام الحجر على الناس منع الزيارات والاجتماعات، ومنع الأفراد من زيارة أقاربهم خوفاً من نقل المرض سواء إلى الأصحاء أو إلى كبار السن أو لمن هم مصابون بأمراض مزمنة في مجتمعاتهم.

وامتدت لتشمل كل الأبعاد الأمنية الأخرى، وبطابع مميز تغيرت به جميع مناحي الحياة، وفرضت بحلتها نظام العزلة الذي لم يعتده الجميع، ولم يكن في الحسبان، وقد كان له علاوة على ذلك تهديد أمن الغذاء، وبدا ذلك الأثر على سلاسل الإمداد العالمية والأسعار، أضف إلى ذلك ما ورد في تقارير منظمة الأغذية والزراعة (FAO).

فيروس كورونا المستجد (covid-19) تجربة عاشها العالم ووضحت للجميع واقع خصائص الأمن الإنساني، فعالمية الأمن الإنساني وكونه اهتماماً كونياً، ابتداء من التهديد من مدينة ووهان واجتياح الفيروس العالم، لأن التهديد مشترك لجميع البشر في العالم، أضف إلى ذلك ترابط الأمن الإنساني وامتداد التهديد خارج حدود الدول إلى خارجها، ومن ثم حماية الأمن الإنساني الأقل كلفة وهذا بدا واضحاً في ما أتخذ من إجراءات واحترازات شكلت وقاية للدول التي أخذت الأمر على محمل الجد من بدايته، أو من قبل وصوله إلىها، إذ كان وقع الجائحة أقل وطأة عليها وعلى أنظمتها الصحية، وبذلك كانت أقل وفيات وإصابات من الدول التي تجاهلت خبر جائحة كورونا المستجد (covid-19) في البداية وتأخرت في اتخاذ الإجراءات الوقائية والصحية اللازمة، وتحسين الأمن الإنساني لحياة البشر.

وقد شاهدنا ذلك في الإجراءات التي اتخذتها المملكة العربية السعودية، التي تعاملت مع جائحة كورونا المستجد (covid-19) بوعي عال وحس أمني مرتفع واستجابة مبكرة وبشكل إنساني راق، واتخذت الإجراءات اللازمة لتوفير الأمن الإنساني للمواطنين والمقيمين، ابتداء من الإجراءات الاحترازية للحفاظ على سلامتهم وصحتهم وصولاً إلى المبادرات الاقتصادية لتخفيف الأثر الاقتصادي عليهم، وعلاج جميع المعوقات، وتسهيل جميع الصعوبات لهم لينعموا بالأمن في جميع أبعاده.

لم يقتصر تعامل المملكة الإنساني أو يقف على مواطنيها، وإنما امتد تقديم الخدمات إلى المقيمين على أرضها، إذ صدر الأمر الكريم من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- بتقديم العلاج مجاناً لجميع المواطنين والمقيمين ومخالفي نظام الإقامة، في جميع المنشآت الصحية العامة والخاصة في كل ما يتعلق بالعلاج من فيروس كورونا المستجد (covid-19)، ما يؤكد حرص خادم الحرمين الشريفين -أيده الله- وحكومة المملكة على الأولية القصوى لضمان صحة الجميع وتوفير الأمن الصحي والكرامة الإنسانية للمواطن والمقيم، مقدمة بذلك نموذجاً يحتذى في التعامل الإنساني، في ظل عدم قدرة بعض الدول تقديم الخدمات الصحية لمواطنيها لعجز أنظمتها الصحية عن ذلك وانهيارها أمام الجائحة.

موسم حج استثنائي بمعايير واحترازات صحية عالىة

انطلاقاً من حرص المملكة العربية السعودية، الدائم على تمكين ضيوف بيت الله الحرام وزوار مسجد المصطفى -صلى الله عليه وسلم- من أداء مناسك الحج والعمرة، فقد تقرر إقامة حج عام 1441هـ بأعداد محدودة للراغبين في أداء مناسك الحج، لمختلف الجنسيات من الموجودين داخل المملكة، وذلك حرصاً على إقامة الشعيرة بشكل آمن صحياً، وبما يحقق متطلبات الوقاية والتباعد الاجتماعي لضمان سلامة الإنسان وحمايته من مهددات هذه الجائحة، وتحقيقاً لمقاصد الشريعة الإسلامية في حفظ النفس البشرية، واستطاعت المملكة بذلك تأكيد ما وصلت إليه من قدرات ومستويات مميزة في الإدارة وتنظيم أداء فريضة الحج في جميع الظروف.

وقد سخرت المملكة جميع الإمكانات وذلك بمشاركة الوزارات والهيئات، وكانت تجربة المملكة في التعامل مع جائحة كورونا (covid-19) ناجحة عالمياً، واتسمت بالشفافية والاحترافية.

ليس هذا وحسب فقد امتدت يد العون من المملكة إلى الآخرين إقليمياً وعالمياً للمساعدة على هذه الجائحة، وللمشاركة في توفير الأمن الإنساني إقليمياً ودولياً، إذ ما زالت جائحة كورونا (covid-19) مستمرة، والعالم يشهد الموجة الثانية من هذه الجائحة، ولنا في تاريخ الأوبئة عبرة، فقد كانت الموجة الثانية من الحمى الإسبانية أكثر فتكاً بالبشرية منها في موجتها الأولى.

نسأل الله أن يحفظ لنا ديننا ووطننا ومقدساتنا ومكاسبنا وأمننا ومقدراتنا تحت ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين -أدام الله عزه- وولي عهده الأمين، ويحمي دولتنا ودول العالم أجمع من هذه الجائحة ويحفظ الإنسانية وأمنها من كل مكروه.

 

 

ماجستيـرالعلوم الإستراتيجية – أمن إنساني

القطاع الشرقي– لواء الأمير محمد بن عبدالرحمن

 
 
 
 

وشاهد الأمير عبدالله بن بندر والحضور عرضًا مرئيًّا تعريفيًّا عن صرح الجامعة، وأعداد الخريجين لهذه الدفعة البالغة 794 طالبًا. بعد ذلك ألقى مدير الجامعة الدكتور بندر القناوي كلمة بهذه المناسبة، ثمَّن فيها رعاية وزير الحرس الوطني التي تأتي دعمًا لمسيرة الجامعة الأكاديمية والعلمية والبحثية، ودافعًا للاستمرار في تحقيق النجاحات.

وأضاف بأن مشاركة وزير الحرس الوطني الخريجين فرحة النجاح والتخرج تؤكد حرصه على دعم وتشجيع الطلاب؛ لما بذلوه من جهد في التحصيل الأكاديمي والعلمي والتدريب الإكلينيكي، ومشاركتهم أيضًا فرحة التطلع إلى خدمة الوطن والمواطن بثقة وتفانٍ وإخلاص.

وأكد أن خريجي الجامعة اكتسبوا مهارات، سيسهمون بها في دعم وتطوير النظام الصحي في السعودية، وتطوير خدمة الرعاية الصحية، كما استفادوا من البيئة الإكلينيكية في تطوير أدائهم وإمكاناتهم على أكمل وجه.