نعيش اليوم إحدى المناسبات المجيدة في تاريخ بلادنا، ذكرى تأسيس الدولة السعودية، اعتزازاً بجذورنا الراسخة وما نمتلكه من إرث حضاري عريق يمتد لنحو ثلاثة قرون، حين مكّن الله الإمام محمد بن سعود ــ رحمه الله ــ من تأسيس الدولة السعودية الأولى عام 1139هـ الموافق 1727م، متخذاً من الدرعية عاصمة ومنطلقاً لها، لتأخذ في الاتساع وبسط نفوذها على أرجاء شاسعة في شبه الجزيرة العربية تمدداً وتأثيراً، في ظل ظروف استثنائية صعبة، وموارد محدودة، حتى استطاع ـــــ بعـون الله وتوفيقه ـــــ ثم بالإيمان والعزيمة والإقدام، أن يضع اللبنات الأولى للدولة التي اتخذت القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة منهجاً ودستوراً، حيث أشاعت الأمن والاستقرار، وأصبحت الكيان السياسي الفاعل المؤثر في إحداث الكثير من التغيرات والتحولات المفصلية التي مرت بها المنطقة في تلك الحقبة، فاجتمع الناس والتفّوا حول هذه الدولة الفتية، وآمنوا بمشروعها وناصروا قائدها ورجاله، ومثلت المنطلق الأساس والنواة الأولى التي بُني عليها هذا الوطن الشامخ العزيز، ثم جاءت الدولة السعودية الثانية على يد مؤسسها الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود ــــ رحمه الله ــــ لتكون امتداداً لهذا المشروع السياسي الكبير، وتؤسس لمرحلة سياسية ووحدة اجتماعية جديدة، وتعزز مكونات وعناصر القوة التي قامت عليها، لتمضي قُدماً في ترسيخ مفهوم الدولة، وتخوض أشرس المواجهات والتحديات، لتثبت دعائم وجودها في عالم مضطرب، يموج بالصراعات والتحالفات، ثم قيض الله لها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن – رحمه الله – ليؤسس الدولة السعودية الثالثة، ويوحد أرجاءها تحت اسم المملكة العربية السعودية، لتصبح أكبر وحدة عربية سياسية في التاريخ الحديث، وليسير أبناؤه الملوك البررة – رحمهم الله جميعاً – على نهجه القويم، وصولاً لهذا العهد الميمون لسيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز حفظهما الله.
إن أبناء المملكة يعتزون ويفخرون بهذا الإرث التاريخي العميق، ويستذكرون ما قام به الإمام محمد بن سعود ــــ رحمه الله ــــ في سبيل تأسيس دولة قوية، كان لها تأثيرها البالغ في تغيير مختلف الأوضاع الاجتماعية والسياسية آنذاك. وإن من المدلولات العميقة لهذه الذكرى استحضار هذه المسيرة الخالدة، والحافلة بالبطولات والتضحيات، والكفاح والبناء، لبلاد تشكلت عبر عدة قرون على أسس راسخة، وأرست قواعد الحكم، جاعلة أمن المجتمع واستقراره هدفها الأول مع خدمة الحرمين الشريفين، وتحقيق أسباب الحياة الكريمة، مستندة على تماسك اللحمة الوطنية، بين القيادة الرشيدة، وأبناء الشعب السعودي الوفي.
وبهذه المناسبة، يشرفني أن أرفع أصدق التهاني باسمي وباسم كافة منسوبي وزارة الحرس الوطني ــــ مدنيين وعسكريين ـــــ لمقام سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء ـــــ حفظهما الله ـــــ داعيا الله العلي القدير أن يمدهما بعونه وتوفيقه، وأن يحفظ هذا الوطن، ويديم أمنه وأمانه ورخاءه واستقراره.