برعاية صاحب السمو الملكي الفريق الركن نايف بن ماجد آل سعود رئيس الجهاز العسكري أقامت مجلة الحرس الوطني بالتعاون مع الشؤون الثقافية ندوة عامة بمناسبة حلول ذكرى يوم التأسيس، وذلك يوم الثلاثاء 1/8/1444هـ الموافق 21/2/2023م على مسرح الوزارة، بحضور عدد من كبار المسؤولين مدنيين وعسكريين وجمع من منسوبي وزارة الحرس الوطني.
وعند وصول سمو رئيس الجهاز العسكري تجول على الأنشطة المصاحبة للندوة واطلع على معرض المجلة الذي يقدم نبذة عن تاريخ مجلة الحرس الوطني وأعدادها القديمة وأبرز محطاتها، وركن الشؤون الثقافية التعريفي الذي يلقي الضوء على الأنشطة والفعاليات التي تقدمها الإدارة لمنسوبي الوزارة وأسرهم، وكذلك مشاركة فصيل الشرف من وكالة شؤون الأفواج بلباس يحاكي يوم التأسيس والبنادق القديمة والسيوف، والركن الخاص بالتصوير بشعار يوم التأسيس، وركن الرسم الذي ضم مشاركة بعض هواة الرسم والخط العربي من منسوبي الوزارة.
عقب ذلك بدأت الندوة بكلمة المجلة، ألقاها رئيس التحرير المقدم الركن دغيليب بن سائر القوس، عبر فيها عن الشكر والتقدير لصاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن بندر بن عبدالعزيز وزير الحرس الوطني على موافقته على إقامة هذه الندوة، التي تعد نشاطاً ثقافياً واحتفالياً بهذه المناسبة الغالية من جهة، ورافداً تحريرياً للمجلة من جهة أخرى، كما قدم الشكر والتقدير لصاحب السمو الملكي الفريق الركن نائف بن ماجد آل سعود رئيس الجهاز العسكري على دعمه ورعايته لهذا الاحتفال.
ثم قدم الشاعر جاسم الصحيح عدداً من النصوص الشعرية سيتم استعراضها في سياق هذا التقرير.
بعد ذلك بدأت الندوة التي تولى إدارتها الإعلامي المعروف الأستاذ مفرح الشقيقي، وتحدث فيها كل من الدكتورة فاطمة بنت حسين القحطاني أستاذة التاريخ بجامعة الملك سعود، والأستاذ بندر بن عبدالرحمن بن معمر الباحث في التاريخ السعودي.
والدكتورة فاطمة بنت حسين الفردان القحطاني حصلت على درجة البكالوريوس من قسم التاريخ بجامعة الملك سعود، وكذلك درجة الماجستير والدكتوراه تخصص التاريخ السعودي الحديث.
ولها من الإنتاج العلمي والمؤلفات كتاب “حملة إبراهيم باشا على الدرعية وسقوطها 1233هـ/1818م”، ورسالة الدكتوراه بعنوان “سياسة الملك عبدالعزيز لتثبيت الحكم في الحجاز 1924ـ 1932م”، وعدد من الأوراق العلمية في الندوات واللقاءات التاريخية والإعلامية، ولها كذلك إسهامات في أعمال الشراكة المجتمعية في مجال تخصص التاريخ الحديث.
حصلت الدكتورة فاطمة القحطاني على جائزة الملك سلمان بن عبدالعزيز لدراسات وبحوث تاريخ شبه الجزيرة العربية من دارة الملك عبدالعزيز، وهي عضو في كل من الجمعية التاريخية السعودية، جمعية التاريخ والآثار في الخليج العربي، والاتحاد العربي للمؤرخين، ولديها خبرات إدارية واسعة في اللجان الأكاديمية، وخبرات تدريسية لعدد كبير من المقررات في التاريخ الحديث، كما أشرفت على عدد من الرسائل العلمية، وشاركت في تحكيم رسائل وكتب وأبحاث علمية.
أما الأستاذ بندر بن عبد الرحمن بن معمر فهو حاصل على بكالوريوس الآداب (لائحة الشرف) من جامعة كاليفورنيا الحكومية، وعمل معيدًا في الجامعة نفسها.
تلقى دورات متقدمة في التخطيط الاستراتيجي والقيادة الإدارية والتسويق والاتصال والإعلام وتنمية المهارات والقدرات، وبدأ حياته الوظيفية في سفارة خادم الحرمين الشريفين بالولايات المتحدة الأمريكية.
عمل بعد ذلك في القطاع الخاص، وتقلد وظائف قيادية في عدد من المؤسسات والشركات.
يتولى حالياً منصب العضو المنتدب لشركة الطائف للاستثمار والسياحة ورئيس مجموعة مورود للاستشارات الإعلامية.
شارك في رئاسة وعضوية مجالس ولجان متعددة في القطاعين الحكومي والخاص ووفود رجال الأعمال لزيارة عدد من الدول الشقيقة والصديقة، وعمل مستشاراً لبعض الهيئات الحكومية، وأسهم في تقديم مجموعة من الدراسات لعديد من الجهات الرسمية والأهلية والمؤسسات الخيرية والاجتماعية.
عضو الجمعية التاريخية السعودية، كاتب وباحث في جريدة الشرق الأوسط. له مقالات وأبحاث منشورة. مؤلف كتاب الرؤية وما أدراك (سياقات الزمن السعودي من تحولات الطفرة إلى فضاءات الرؤية). إضافة إلى محاضراته ومشاركاته بأوراق عمل في عديد من المؤتمرات والمنتديات داخل المملكة وخارجها.
وحدة سياسية عظيمة
وفي بداية الندوة قدمت الدكتورة فاطمة القحطاني ورقتها العلمية بعنوان (تأسيس الدولة السعودية الأولى.. المكون السياسي والاجتماعي لقيام الدولة)، واستهلت حديثها مبينة أن قيام الدولة السعودية الأولى في الدرعية عام 1139ه/1727م يمثل تأسيساً لوحدة سياسية عظيمة، وتأسيساً لمجتمع موحد متماسك؛ حيث تشكل هذه الفترة منعطفاً تاريخياً خطيراً غيّر شكل الحياة في الجزيرة العربية في عصرها الحديث. كما تمثل فترة التأسيس المرحلة الانتقالية من دولة المدينة في الدرعية إلى الدولة العظمى التي تضم أقاليم ومساحات شاسعة. فقد كانت المنطقة تحتاج إلى دولة مركزية كبيرة تعمل على خلق الاستقرار السياسي والاجتماعي، وتبسط الأمن وتوقف حالة الفوضى والصراع بين القبائل والكيانات السياسية المتشرذمة في المنطقة، وتقوم بإصلاح سياسي واجتماعي، وذلك ببناء دولة تضم جميع الأطياف رغم كل التحديات والصعوبات المتمثلة في ضعف الإمكانيات الاقتصادية والعزلة التي كانت تعاني منها نجد في تلك الفترة، فضلاً عن صعوبة مناخها وتضاريسها، ليصنع محمد بن سعود معجزة كبيرة في التاريخ الحديث للجزيرة العربية.
إصلاح وتجديد
وفي ذات السياق أضافت الدكتورة القحطاني: كان قيام الدولة السعودية في الدرعية ضرورة تاريخية حتمية لعدة أسباب؛ فتاريخ التطور البشري يؤكد أن الأمور عندما تسوء وتبلغ مبلغاً كبيراً من الفوضى والانحدار لا بد من ظهور إصلاح وتجديد، وهذا بالفعل ما حصل في نجد في تلك الفترة، فقد قيّض الله لها الإمام محمد بن سعود الذي امتاز بالحكمة والشجاعة والفكر المستنير، حيث عمل على توطيد شؤون الدرعية الداخلية جاعلاً منها واحدة من أقوى البلدان في نجد، كما أنه كان رافضاً ومقاوماً لأي نفوذ خارجي عليه مما يحقق تطلعاته المستقبلية، إذ كان يرى ضرورة التوسع وتوحيد المنطقة لمقاومة هذا النفوذ والتهديدات الخارجية من جهة، ولاستتباب الأمن الذي كان مطلباً للجميع من جهة أخرى.
ما بعد توحيد نجد
وتصف الدكتورة القحطاني الوضع الأمني والاجتماعي في نجد قبل قيام الدولة السعودية الأولى وكيف تبدل المشهد بقيامها فتقول: كان أهالي نجد قد وصلوا مرحلة صعبة في تحمل انعدام الأمن والاضطرابات، لذلك جنح كثير منهم إلى السلم والانضواء تحت لواء الدولة التي استطاعت تحقيق أمر لم يكن ليتحقق بسهولة ويسر، لولا أن قيّض الله الدرعية وحكامها لتولي الأمر.
وتمضي متحدثة حول المراحل التالية لتوحيد نجد وقيام الدولة فيها: دخلت الدرعية بعد توحيد نجد مرحلة جديدة، وهي مرحلة ضمان وحدة نجد، لتدخل في حتمية أخرى وهي ضرورة تأمين الدولة الناشئة في نجد استراتيجياً، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي، لتتوسع الدولة في الأحساء وعسير وجنوب الجزيرة والحجاز، لتخوض حروباً تحريرية لمناطق الجزيرة العربية من السيطرة العثمانية التي دامت مدة تقارب قرنين ونصف من الزمن. فكونت الدرعية دولة مترامية الأطراف امتد نفوذها لأغلب أجزاء الجزيرة العربية.
تأمين طرق الحج وقوافل التجارة
وحول التحولات على المستوى الاجتماعي والأمني بعد قيام الدولة السعودية الأولى تضيف الدكتورة فاطمة القحطاني: برزت ملامح تشكيل الدولة وبناءها اجتماعياً، حيث عمل الإمام محمد بن سعود وخلفاؤه على المحافظة على الأمن باعتباره أهم عنصر على الجانب الاقتصادي والاجتماعي للمحافظة على كيان الدولة ووحدتها، لذلك اهتمت الدولة السعودية بأمن طرق الحج والقوافل التجارية وصيانتها؛ فانتعشت الحياة الاقتصادية وتطورت جوانبها المختلفة. كما كانت المكونات البشرية للدولة من أهم الأسس التي اعتمد عليها الإمام محمد بن سعود في تأسيس الدولة، فبرزت جهوده في توحيد الصفّ، وليس فقط في توحيد الأرض، مشيرة إلى اهتمام الإمام محمد بن سعود بالتعليم كمكون اجتماعي مهم ينهض بالأمم وحرصه على جميع الجوانب الثقافية والعلمية والدينية، انعكاس ذلك على المجتمع الذي عاش عصراً جديداً من الاستقرار والازدهار.
المرأة وأدوار مهمة
وتطرقت الدكتورة القحطاني للأدوار الهامة التي قامت بها المرأة في تلك المراحل التاريخية المفصلية: من المرتكزات الاجتماعية التي برزت في تأسيس الدولة فيما يخص المكونات البشرية الحرص على دور المرأة في المجتمع وتعظيم قيمة هذا الدور، حيث أدت المرأة أدواراً مهمة على الجانب السياسي والاجتماعي والعسكري، اتضحت من خلال قصص عظيمة لشخصيات نسائية في تلك الفترة، مثل موضي بنت أبو وهطان زوجة الإمام محمد بن سعود، وغالية البقمية التي سطرت بطولات كبيرة في الدفاع عن الدولة.
العلاقة الوثيقة مع الشعب
وأشارت الدكتورة فاطمة القحطاني إلى العلاقة المتينة الممتدة بين القيادة السعودية وأبناء الشعب الوفي قائلةً: كانت علاقة الإمام محمد بن سعود وأبنائه وأحفاده بمجتمعهم وشعبهم من أهم الركائز التي تأسست عليها الدولة، وكانت عاملاً مهماً في استمراريتها ومكانتها العظيمة. ولعل أهم ملامح هذه العلاقة هي سياسة الباب المفتوح التي اتبعها أئمة الدولة مع رعاياهم، فكانت مجالسهم مفتوحة للجميع يستقبلون الناس بشكل يومي، حيث حرصوا على التقارب مع الناس وكسب ودهم واحترامهم، كما كانوا يفتحون أبوابهم للزوار والمارين بالدرعية من حجاج بيت الله أو التجار والقبائل ويحسنون استقبالهم وخدمتهم، وقد كان لهذا الأمر انعكاساته الاجتماعية والسياسية في جذب الناس والتفافهم حول قيادة الدرعية.
تعزيز مبادئ التكافل الاجتماعي
وتعرج الدكتورة القحطاني في ورقتها على أحد الملامح المهمة في العلاقة بين الحاكم وأبناء الشعب، وهو جانب التكافل الاجتماعي، موضحةً أن أئمة الدولة السعودية حرصوا على هذه الجوانب، وقد عرف عنهم كثرة الإحسان والعطاء، وامتازوا بالمروءة والشهامة والوفاء والكرم. كما عرف عنهم الحرص على حفظ حقوق الناس وحفظ كرامتهم وممتلكاتهم؛ فعملوا على حماية الناس من قطاع الطرق ومن تعسف وجور الحكام.
القبائل كمرتكزات اجتماعية
وتختتم الدكتورة فاطمة القحطاني ورقتها في الندوة بالتأكيد على علاقة أئمة الدولة بالقبائل، كونها من أهم المرتكزات الاجتماعية في تأسيس الدولة، حيث عمل هؤلاء الأئمة على احتواء القبائل وكسب ولائها والتحالف معها للاستفادة منها في المحافظة على الأمن والكف عن الاعتداءات على الحجاج وطرق التجارة، والاشتراك معهم كقوة عسكرية مهمة لبناء الدولة. لذلك حرص أئمة الدولة السعودية على إكرام هذه القبائل ووضع مخصصات مالية لشيوخها وحرصوا على إرسال العلماء والقضاة لهم لإصلاح أحوالهم الدينية والاجتماعية.
الامتداد.. العمق.. القوة
الورقة العلمية الثانية قدمها الأستاذ بندر بن عبدالرحمن بن معمر تحت عنوان
(القوة العسكرية السعودية من التأسيس إلى الرؤية.. الحرس الوطني أنموذجاً)
واستهل حديثه محيّياً الحضور:
أسعد الله صباح الوطن قيادة وإنساناً وأرضاً وحرساً، في يوم من أيامه المجيدة،
يوم التأسيس، في حصنٍ من حصونه المنيعة، ومؤسسة من مؤسساته الحضارية،
ومعلم من معالمه التنموية “الحرس الوطني” الامتداد والعمق لجذور القوة
العسكرية في السعودية، التي تأسست مع بدايات تكوين الكيان السياسي للدولة
السعودية، بقيادة الإمام محمد بن سعود رحمه الله.
وفي مقدمة ورقته العلمية يشير الأستاذ بندر بن معمر إلى الامتداد التاريخي العميق لهذه الأرض المباركة، فيقول: قبل البدء لا بد من التأصيل والتفصيل، فعند الحديث عن الامتداد والعمق الحضاري للجزيرة العربية، فنحن نتحدث عن آلاف السنين، وحين نتحدث عن نشأة إمارة الدرعية على يد الأمير مانع المريدي رحمه الله، فنحن نتحدث عن ستة قرون، وحينما نتحدث عن نقطة التحول التي تعد أكبر مرحلة تحول حدثت في تاريخ الجزيرة العربية بعد خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه (إذا استثنينا مرحلة خلافة عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما) فنحن نقف على توحيد الدرعية، ثم توحيد نجد، ثم توحيد الجزيرة العربية تحت حُكم عربي مستقل، أو بمعنى آخر إعادة الحكم العربي للجزيرة العربية، مهد الحضارة ومنطلق الرسالة. لذا فالسعوديون هم ورثة هذه الحضارة وهم الأمناء على هذه الرسالة، بعد أن أُهملت الجزيرة خلال عشرة قرون وشُوّه تاريخ العرب وأصبح الانتماء للمحيط إلى حضارات مختلفة.
موطن الإنسان الأول
ويستطرد بن معمر في إيضاح فكرته قائلاً: لا أحد في الشعوب العربية الأخرى يدعي أنه وريث الحضارة العربية والإسلامية، فهناك من يدعي أنه وريث الفينيقيين أو وريث الكلدانيين أو الكنعانيين أو الآشوريين أو الفراعنة وغيرهم. هذه الحضارات تسمى حضارات الأنهار وممتدة إلى خمسة آلاف سنة وثلاثة آلاف سنة ونحوها، بينما حضارة الجزيرة العربية حضارة ممتدة لأكثر من تسعة آلاف سنة، وهي أقدم من تلك الحضارات جميعها، وأثبتت الحفريات الأخيرة والتنقيبات والبحوث والنقوش أن الجزيرة العربية هي موطن الإنسان الأول، وهي مهد الحضارات. نستنتج من ذلك أن الدولة السعودية تمثل الامتداد لحضارة عمرها آلاف السنين، وهي امتداد ووريث للحكم العربي المستقل للجزيرة العربية في صدر الإسلام. فنحن نتحدث عن عمق تاريخي وبعد حضاري ممتد لآلاف السنين، ثم حصلت التحولات التي بدأت بتولي الأمير مانع المريدي إمارة الدرعية، ثم انطلاق هذه الإمارة وتوسعها على يد الإمام محمد بن سعود رحمه الله، ثم دخول الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن ـ رحمه الله ـ للرياض واسترداده لملك آبائه وأجداده، انتهاءً بإعلان توحيد المملكة العربية السعودية عام 1351هـ.